لأن الشرط إنما يحسن فيمن لا يعلم العواقب ولا طريق له إلى علمها، فأما العالم بالعواقب وبأحوال المكلف، فلا يجوز أن يأمره بشرط ".
قال: " والذي يبين ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لو أعلمنا أن زيدا لا يتمكن من الفعل في وقت مخصوص، قبح منا أن نأمره بذلك لا محالة.
وإنما حسن دخول الشرط فيمن نأمره فقد علمنا بصفته في المستقبل.
ألا ترى أنه لا يجوز الشرط فيما يصح فيه العلم ولنا إليه طريق نحو حسن الفعل، لأنه مما يصح أن نعلمه، وكون المأمور متمكنا لا يصح أن نعلمه عقلا، فإذا فقد الخبر، فلا بد من الشرط، ولا بد من أن يكون أحدنا في أمره يحصل في حكم الظان لتمكن من يأمره بالفعل مستقبلا، ويكون الظن في ذلك قائما مقام العلم. وقد ثبت أن الظن يقوم مقام العلم إذا تعذر العلم. فأما مع حصوله، فلا يقوم مقامه. وإذا كان القديم تعالى عالما بتمكن من يتمكن، وجب أن يوجه الأمر نحوه، دون من يعلم أنه لا يتمكن. فالرسول (صلى الله عليه وآله) حاله كحالنا إذا أعلمنا الله تعالى حال من نأمره، فعند ذلك نأمر بلا شرط ".
قلت: هذه الجملة التي أفادها السيد - قدس الله نفسه - كافية في تحرير المقام، وافية باثبات المذهب المختار، فلا غرو إن نقلناها بطولها، واكتفينا بها عن إعادة الاحتجاج على ما صرنا إليه.
احتج المجوزون بوجوه: الأول لو لم يصح التكليف بما علم عدم شرطه، لم يعص أحد، واللازم باطل بالضرورة من الدين. وبيان الملازمة: أن كل ما لم يقع، فقد انتفى شرط من شروطه، وأقلها إرادة المكلف له، فلا تكليف به، فلا معصية.
الثاني لو لم يصح، لم يعلم أحد انه مكلف. واللازم باطل. أما الملازمة، فلأنه مع الفعل، وبعده ينقطع التكليف، وقبله لا يعلم، لجواز أن لا يوجد شرط من شروطه فلا يكون مكلفا.