بل قضية ذلك هو تأثيم المكلف - الذي هو البعض - واستحقاقه العقوبة عند المخالفة، ضرورة قضاء ترك المأمور به بتأثيم المكلف عند المخالفة واستحقاقه العقوبة دون غيره، وهو مع مخالفته للإجماع مما لا محصل له.
وإن أريد وجوبه حينئذ على كل واحد واحد من جهة كونه بعضا منهم فهو عين القول بوجوبه على الكل، حسب ما يأتي توضيح القول فيه إن شاء الله، وعليه يحمل المثال المفروض.
الثاني: ما أشار إليه جمال المحققين في حواشيه على العضدي من منع التنافي بين تعلق الوجوب بالبعض المبهم وتعلق الإثم بالجميع، بل لا مانع منه، وكون ذلك غير معقول ممنوع، فإن الظاهر - كما يشهد به الملاحظة الصحيحة - تعلق الوجوب أولا على البعض المبهم، والغرض صدور الفعل من البعض، أي بعض كان، لكن لما لم يكن تأثيم غير المعين معقولا تعلق القصد ثانيا بتأثيم الجميع لو تركوه، ولا يمكن إنكار ذلك فضلا عن أن لا يكون معقولا.
وفيه: أنه إن أراد بذلك - كما هو الظاهر من كلامه - أن تعلق الوجوب بالبعض على الوجه المذكور لما لم يكن قاضيا بتأثيم الجميع وعصيان الكل عند المخالفة - حسب ما قررناه - فلا بد في الحكم بتأثيم الكل من تعلق قصده ثانيا بتأثيم الجميع على فرض المخالفة حتى يمكن إسناد الإثم إليهم جميعا فهو غير معقول المعنى، إذ لو أراد من تعلق قصده ثانيا بتأثيم الكل حكمه بالوجوب على الكل ليتفرع عليه تأثيمهم على تقدير المخالفة فهو قول بتعلق الوجوب بالكل، واعتبار إيجابه ذلك عليهم ثانيا مما لا ثمرة فيه، بل لا وجه له أصلا، إذ لو كان تأثيم البعض المبهم غير معقول كان الحكم بوجوبه على البعض كذلك غير معقول أيضا، لمساوقتهما.
وإن أراد مجرد الحكم بتأثيم الجميع ثانيا ليتفرع عليه عصيان الكل على تقدير المخالفة من غير أن يتعلق الإيجاب حينئذ بالكل فهو أيضا بين الفساد، إذ لو لم يكن مخالفة التكليف المفروض قاضيا بتأثيم الجميع كيف يجوز للحكيم الحكم بتأثيمهم! وهل هو إلا حكم بخلاف ما يستحقونه وظلم بالنسبة إليهم إن فرع على ذلك ورود العقوبة عليهم كما هو قضية التأثيم؟