المأمور به حينئذ على الموسع، حيث إن المقصود معرفة اقتضائه النهي عن ضده وعدمه، فيقال: إن تعلق الأمر بالموسع لا يقتضي تعلق النهي بضده المفروض فلا بد في هذا اللحاظ من اعتبار الموسع مأمورا به والآخر ضدا له وإن كان مضيقا وهو ظاهر، وكون بقاء الأمر بالموسع حينئذ محلا للكلام لا يمنع من إطلاق اللفظ عليه مع تعلق الأمر به في الجملة كما هو الحال في غيره.
وثانيهما: أن أهمية أحد الواجبين في نظر الشارع إنما يقضي بأولوية اختيار المكلف له وأين ذلك من اختصاص التكليف به بحسب الشرع؟ إلا أن يقوم هناك دليل شرعي على وجوب تقديم الأهم، كما في الصلاة اليومية بالنسبة إلى صلاة الكسوف، وهو أمر آخر.
وفيه: أن المقصود من الأهمية في المقام هو ما يكون وجوبه أشد في نظر الشرع واهتمامه به أكثر، ولا ريب أنه إذا كان الحال على ذلك كان الأخذ بالأهم كذلك متعينا عند الدوران بينه وبين غيره، وثبوت الأهمية على الوجه المذكور أمر ظاهر من ملاحظة الشرع وممارسة الأدلة الشرعية من غير حاجة إلى قيام دليل خاص عليه، فإذا ثبت ذلك من الشرع قضى بتقديم الأهم كما هو ظاهر من ملاحظة موارده. هذا.
ولا يذهب عليك أن ما ذكره الجماعة من تخصيص محل النزاع بالصورة المذكورة غير مذكور في كلام المعظم، بل كلماتهم مطلقة وإنما تعرض للتفصيل المذكور جماعة من المتأخرين وكان الحامل لهم على تخصيص الخلاف بالواجبين ظهور الثمرة بالنسبة إلى ذلك، إذ لو لم يكن الضد مأمورا به لم يتفرع عليه الثمرة المفروضة من الحكم بفساده على القول باقتضائه النهي عنه وإخراج صورة توسعة الأمر من جهة ظهور عدم حرمة الترك حينئذ قبل تضييق الأمر فلا يعقل تحريم أضداده الخاصة حتى يتبعه الفساد، وأما اخراج الواجبين المضيقين فلعدم إمكان تعلق الأمر بهما على الوجه المذكور فإما أن يبنى على التخيير أو يحكم بتعيين الأهم فعلى الأول لا وجه للنهي عن الضد وعلى الثاني لا مسرح لاحتمال الصحة في الآخر.