حيثية الاجتهاد، والثانية حيثية الفقاهة، والجهة الأولى مقدمة على الثانية.
ويؤيد ما ذكرناه: أن الفقه في ظاهر كلماتهم اسم للعلم بالأحكام الشرعية عن الأدلة، أو للأحكام المستنبطة عن الأدلة من حيث كونها كذلك وإن قلنا بكون سائر أسامي العلوم موضوعة لنفس المسائل، ولذا أخرجوا علوم الملائكة والأنبياء والأئمة عن الفقه نظرا إلى ما مر مع وضوح علمهم بأحكام الشريعة (1) على أتم وجه، فيكون جهة تعلق العلم بها على الوجه المذكور معتبرة في صدق الفقه، وهي حيثية الفقاهة حسب ما قررنا.
وأيضا ما حصل عند المجتهدين من الأدلة التفصيلية فقه عندهم مع اختلافهم في إصابة الواقع وعدمه والقطع بعدم إصابة بعضهم، سواء جعلنا الفقه اسما لنفس العلوم المفروضة أو للمعلومات من حيث تعلق العلم المفروض بها، فيكون ذلك شاهدا على اختلاف حيثية الفقاهة للحيثية التي يقع الخلاف من جهتها في المسائل الفقهية.
وقد أجاب بعض الأفاضل عن الإشكال المتقدم بوجهين آخرين حيث قال:
إن ظنية المدرك لا يستلزم ظنية الإدراك، والمدرك المظنون إنما هو حكم الله الظاهري، ولا ريب أن إدراكه علمي، فحاصل التعريف: أن الفقه هو العلم بالمظنونات عن أدلتها. وإن أبيت عن ذلك مع وضوحه فهذا التوهم إنما يرد إذا جعلنا كلمة المجاوزة في التعريف متعلقا بالعلم، وأما إن جعلناها متعلقة بالأحكام وقلنا بكونه ظرفا مستقرا صفة للأحكام ويجعل الاحتراز عن علم الله والملائكة بقيد الحيثية المعتبرة في الحدود فلا محذور، فكلامنا المتقدم في تعلقها بالعلم إنما كان جريا على مذاق القوم، انتهى.
ولا يذهب عليك ضعف الجوابين المذكورين.
أما الأول، ففيه: أولا: أنه لا ربط له بالإيراد المذكور ولا دخل له في دفعه، إذ المذكور فيه كون العلم بها غير حاصل عن الأدلة التفصيلية وإنما يحصل عن