الواجب المصطلح نظرا إلى الوجه المذكور فمدفوع بأن غاية ما يتوقف عليه الوجوب المصطلح كون الأمر ممن يقبح مخالفته وعصيانه على خلاف غيره ممن لا يجب تحصيل مطلوبه ولا يقبح مخالفة أمره وإرادته، وهذا المعنى هو المراد من كون الآمر ممن تجب طاعته عقلا أو شرعا، فإن المراد به هو قبح العصيان والمخالفة.
ومع الغض عنه فالقدر اللازم هو ما قلناه وتوقفه على ما يزيد عليه مما لا دليل عليه، واللازم مما ذكرنا وجوب مطلق الفعل سواء كان بقصد الامتثال أو لا.
والحاصل أن الوجوب الخاص في المقام إنما هو على طبق الإيجاب الصادر من الآمر فكما أن قضية أمره هو إيجاب مطلق الفعل وإرادة حصوله سواء كان بقصد الامتثال أو غيره، ولا دليل على اختصاص وجوب الفعل بنحو خاص فكذلك الوجوب اللازم منه إنما يكون على ذلك الوجه أيضا.
فإن قلت: إن الأوامر الدالة على وجوب طاعة الله تعالى والرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) من الكتاب والسنة كافية في ذلك، نظرا إلى عدم صدق الطاعة إلا مع وقوع الفعل على وجه الامتثال، غاية الأمر أن ما يدل عليه العقل لا يزيد على وجوب أداء الفعل والإتيان به من غير اعتبار لما يزيد عليه، وقد دلت الأوامر المذكورة على اعتبار تلك الزيادة.
قلت: إن ما دل على وجوب الطاعة يعم امتثال الأوامر والنواهي، ومن البين أن جل النواهي بل كلها إنما يقصد منها ترك المنهي عنه من غير تقييد شئ منها بملاحظة قصد الامتثال والإطاعة.
وكذا الحال في الأوامر المتعلقة بغير العبادات، فلو بني على إرادة ظاهر معنى الطاعة لزم تقييدها بالأكثر وهو - مع مرجوحيته في ذاته - بعيد عن سياق تلك الأدلة، فإن المقصود وجوب طاعتهم في جميع ما يأمرون به وينهون عنه.
وكذا وجوب اعتبار ملاحظة طاعة النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) في الإتيان بما يأمرون به كأنه مما لم يقل به أحد، ومن البين ورود الجميع على سياق واحد وقد ورد نحوه في طاعة الزوجة والعبد للزوج والسيد، ومن البين عدم وجوب اعتبار الملاحظة المذكورة.