للطلب بالوجوب الذي هو مدلول الأمر - أعني مجرد كونه مطلوبا بالطلب الحتمي - حسب ما مر القول فيه لكن الوجوب المصطلح وهو الذي دل عليه الأمر بالالتزام نظرا إلى ملاحظة حال الآمر بكونه ممن يجب طاعته عقلا أو شرعا على ما هو مقصود الأصولي في البحث عن ذلك، فلا يثبت كذلك نظرا إلى قضاء الملاحظة المذكورة بوجوب امتثال الأمر وطاعته، ومن البين أن صدق الامتثال وتحققه يتوقف على كون أداء الفعل بقصد موافقة الأمر لا مطلقا فلا يتصف بالوجوب إلا ما وقع على الوجه المذكور، فلا يكون الإتيان به على غير النحو المذكور أداء للواجب ليحصل سقوط التكليف به.
والذي يقتضيه التأمل في المقام: أن مفاد الأمر هو الإتيان بالفعل على سبيل القصد والإرادة لما ذكر من الوجهين الأولين، فلو أتى به على سبيل السهو والغفلة أو في حالة النوم ونحوها لم يتصف ذلك الفعل بالوجوب ولم يكن أداء للمأمور به.
وما يستفاد من ظاهر كلام بعض الأفاضل من إدراج ذلك في أداء المأمور به كما ترى، وكيف! يصح اتصاف فعل النائم والغافل بالوجوب مع وضوح عدم قابليته لتعلق التكليف وعدم صحة إيجاب الامر لما يصدر عنه في حال الغفلة والنوم.
والقول بأن القدر المسلم من عدم تعلق التكليف بالغافل هو ما كان من أول الأمر وأما بعد تفطنه بالتكليف وغفلته بعد ذلك وصدور الفعل منه إذن على سبيل الذهول والغفلة فلا مانع من اندراجه في المكلف به - كما قد يستفاد من كلام الفاضل المذكور أيضا - غير متجه، ضرورة أن السبب الباعث على عدم تعلق التكليف به من أول الأمر قاض بعدم تعلقه به بعد ذلك من غير فرق أصلا، فلا داعي هناك إلى التفصيل.
وجريان حكم الواجب على الفعل مع طريان الغفلة في أثناء العمل أو عروض النوم - كما في الصوم ونحوه - لا يدل على بقاء التكليف حين الغفلة، غاية الأمر الاكتفاء هناك بالاستدامة الحكمية وإجراء حكم النية الواقعة في أول الفعل إلى آخره لقيام الدليل عليه.