نحن فيه بطريق ظني أمكن أن يقال له: هل يكتفى بذلك فيما نحن فيه إذا كان شرط إثباته القطع أم لا؟ ولا بد عند توجه التقسيم من تنزيل الكلام على الممنوع أو المسلم، وكل واحد منهما متعذر لما سبق، انتهى.
فإن من الظاهر أن من يقول بحجية الظن فلا بد أن ينتهي حجية ذلك الظن عنده إلى اليقين، لوضوح عدم حجية الظن في نفسه في شئ من الموضوعات والأحكام، وقضية ما ذكره عدم نهوض دليل قاطع عنده على حجية الظن هنا، فليس توقفه في المقام إلا من جهة عدم قيام دليل على الترجيح، لا من جهة قيام الدليل على عدم إمكان الترجيح ليلزم البناء على الوقف.
وحينئذ فلا وجه للاستناد إلى ما ذكره من الدليل فإن مفاده إن تم هو لزوم البناء في المقام على الوقف، لعدم إمكان الترجيح كما هو أحد الوجهين في الوقف، وهو الذي يعد قولا في المسألة ويتوقف إثباته على إقامة الدليل، وإلا فعدم العلم بأحد الشقين مما لا يحتاج إلى البيان وإقامة البرهان، بل أقصى ما يراد له تزييف الأدلة المذكورة لسائر الأقوال.
قوله: * (ومرجعها إلى تتبع مظان... الخ) * قد يكون مراده بذلك الاستقراء بملاحظة مواقع استعمال اللفظ والأمارات الخارجية الدالة على ما يفهم من اللفظ عند الإطلاق فيستنبط به الوضع، وهو أحد طرق إثبات الأوضاع حسب ما مر بيانه، إلا أن ذلك ليس شيئا من الوجوه المذكورة المتقدمة.
وقد يقال: إن مراده بالأمارات الأدلة المتقدمة الدالة على كونه حقيقة في الوجوب.
لكنك خبير بأن كلا من تلك الأدلة ظنية فهي مشاركة لما ذكره المستدل من أخبار الآحاد في المفسدة، إلا أن يدعى قطعية بعضها، أو يقال بحصول القطع من ضم بعضها إلى البعض، أو يكون مبنى الجواب على منع اعتبار القطع في المقام، وحينئذ وإن لم يحتج إلى منع الحصر للاكتفاء حينئذ بنقل الآحاد، إلا أن كلامه مبني على بيان ما هو الواقع، إذ لم يستند أحد في المقام إلى نقل الآحاد.