حين الوضع كان الوضع بإزاء المعلومات وإن لم يكن بملاحظة كونها معلومات فقد أطلق الصور بملاحظة ذلك على الماهيات المعلومة لا يخلو عن بعد، إذ مع عدم ملاحظة كونها معلومات يكون المراد بالصور هو نفس الماهيات أيضا وإن كانت معلومة حين ملاحظتها، وقد عرفت بعده عن ظاهر الإطلاق.
واعلم أنه لو بني على كون النزاع في المقام معنويا فلا ثمرة يترتب عليه ظاهرا وإنما هي مسألة علمية لا يتفرع عليها شئ من الأحكام الفرعية، إذ لا شك على الأقوال في كون المقصود بالألفاظ الأمور الواقعية، سواء كانت هي مقصودة من تلك الألفاظ أو لا لتكون موضوعة بإزائها مستعملة فيها أو كانت مقصودة بواسطة صورها الذهنية، وسواء قلنا بكون تلك المفاهيم مما وضع الألفاظ بإزائها مطلقة أو مقيدة بحضورها عند العقل، كما هو أحد الوجوه المتقدمة.
نعم، قد يتوهم على الوجه الأخير توقف أداء المكلف به واقعا على العلم بكون ما يأتي به هو المكلف به، كما إذا قال: " آتني بشاة " فإنه لا بد في صدق إتيانه بالمأمور به معرفته بمعنى الشاة ثم إتيانه بفرد يعلم اندارجه فيه.
ويدفعه أولا: أن حضور المعنى غير العلم بوضع اللفظ بإزائه فإذا أتى بالشاة عالما بكونه شاة فقد أتى بما وضع اللفظ بإزائه وإن لم يعلم بالوضع له، وكذا لو أتى بالمصداق معتقدا خلافه أو شاكا في كونه مصداقا مع علمه بما كلف به لصدق إتيانه بتلك الطبيعة المعلومة وإن لم يكن اندراج ذلك المصداق فيها معلوما له حين الإتيان.
نعم، لو كان غافلا عن الطبيعة التي كلف بإتيانها غالطا في المصداق أيضا احتمل حينئذ عدم تحقق الامتثال على الوجه المذكور.
وثانيا: أن الحضور المأخوذ في المكلف به بناء على الوجه المذكور هو الحضور عند المستعمل دون المكلف، فإذا أتى بالطبيعة الحاضرة عند تحقق الإتيان سواء كان المكلف عالما بالحال أو لا. نعم لا يتم ذلك على إطلاقه في العبادات، وهو كلام آخر لا ربط له بهذه المسألة.