نعم، لما كان في المجاز فوائد اخر خاصة زائدة على أصل التعبير عما في الضمير من محسنات لفظية ومعنوية رخص الواضع فيه أيضا لتكميل المقصود واختاره (1) على الحقيقة في المحل اللائق به، لا أن يكتفى به عن تعيين اللفظ للمعنى، لما فيه من المنافاة لما هو أصل الغرض من وضع الألفاظ سيما بالنسبة إلى المعاني الدائرة والأمور المتداولة. نعم لو كان هناك معنى قل ما يحتاج إلى التعبير عنه في المخاطبات فربما اكتفي لبيانه بالمجازات.
الثالث: أنا إذا تتبعنا الألفاظ الموضوعة واللغات الدائرة وجدنا المعاني التي يشتد إليها الحاجة ويكثر دورانها في المحاورة قد وضع الألفاظ بإزائها ولم يهملها الواضع ليتوقف استعمالها فيها على ملاحظة العلاقة بينها وبين غيرها، فإذا شك في وضع اللفظ بإزاء معنى من تلك المعاني فالظن يلحق المشكوك بالأعم الأغلب.
فإن قلت: إنا نجد كثيرا من المعاني التي يشتد الحاجة إليها قد أهمل الواضع وضع لفظ خاص بإزائها فلا يتم ما ذكر من الاستقراء، فإن أنواع الروائح كرائحة المسك والعنبر والعود ونحوها من المعاني المتداولة بخصوصها لم يوضع لها لفظ بالخصوص وكذا كثير من المياه المضافة، كماء الورد والصفصاف وماء الرمان ونحوها مما يضاهيها في الدوران وعدم وضع لفظ خاص بإزائها، وذلك كما يكون هادما للاستقراء المدعى كذا يصح جعله نقضا للوجهين الأولين، إذ لو تمت دلالتهما على المدعى لما صح التخلف فيما ذكرنا.
قلت: إن من المعاني ما يكون أمورا كلية مستقلة غير مرتبطة بغيرها في ملاحظة نفسها ولا حاصلة من إضافة شئ إلى غيرها ولا ضم شئ إلى شئ، كالسماء والأرض والماء والنار والجبال والبحار والأنهار والتمر والزبيب والحنطة والشعير ونحوها من الذوات والرائحة والطعم واللون والحسن والقبح والعداوة والحب، ونحوها من الصفات فهذه مما يجب وضع الألفاظ بإزائها مع