وهو معنى المجاز، والمبالغة إنما تحصل هناك من جهة ملاحظة المشابهة والتشبيه المضمر في النفس، فالفرق بينها وبين نقل الاسم بالوضع الجديد ظاهر، والفرق بينها وبين التشبيه التصريح بالمغايرة وعدم اندراج المشبه في المشبه به هناك وإيهام اندراجه فيه في الاستعارة، نظرا إلى ظاهر اللفظ لإضمار التشبيه في النفس، فيكون أبلغ في إظهار المشابهة حيث أطلق عليه اسم المشبه به، ولذا اختار جمهور أهل البيان كونها من قبيل المجاز اللفظي.
أقول: إن مجرد إطلاق اسم المشبه به على المشبه مع كون المشبه خارجا عن أفراده الحقيقية لا يقضي بالتزام استعمال اللفظ في غير ما وضع له، للفرق بين استعمال اللفظ في المعنى وإطلاق الكلي على الفرد، ألا ترى أن استعمال الكلي في خصوص الفرد مجاز مع أن إطلاقه على ذلك ليس من المجاز، ألست في قولك: " رأيت إنسانا " قد أطلقت الانسان على خصوص الفرد الذي رأيته، مع أنه ليس مجازا قطعا لاستعماله في نفس مفهومه، ينبهك على ذلك أنك لو قلت:
" رأيت إنسانا " وقد رأيت شجرا كان قولك كذبا، ولم يكن الاستعمال غلطا، فإنك لم تستعمل قولك: " إنسانا " إلا في مفهوم فرد من الانسان الغير الصادق على الشجر، وكذا الحال في قولك: " رأيت عالما " وقد رأيت زيدا الجاهل، وقولك:
" رأيت زيدا العالم " وهو جاهل في الواقع، فلو اشتبه عليك الحال فزعمته على ما أخبرت ظهر عليك حصول الغلط في الحكم دون الغلط في الاستعمال، وكذا في الأخير بالنسبة إلى الحكم الضمني اللازم من التوصيف، وهذا هو الوجه في عدم كون الأسامي الواردة على الشبح المرئي من بعيد بحسب اختلاف اعتقاد المتكلم فيه غلطا، لاستعمالها فيما وضعت لها، وإطلاقها على ذلك من جهة اعتقاد انطباق كل من تلك المعاني معها، وإنما الغلط هناك في الاعتقاد المذكور.
إذا تبين ذلك ظهر أن مجرد إطلاق اسم المشبه به على المشبه لا يقضي باستعماله في مفهومه، لإمكان استعماله في المفهوم الذي وضع اسم المشبه به بإزائه وإطلاقه على ذلك الفرد لدعوى انطباقه عليه من غير استعمال اللفظ في