الايمان والقرآن في صدره فضرب الله مثله فقال " الله نور السماوات والأرض " فبدأ بنور نفسه ثم ذكر نور المؤمن فقال مثل نور من آمن به، قال فكان أبي بن كعب يقرؤها (مثل نور من آمن به) فهو المؤمن جعل الايمان والقرآن في صدره وهكذا رواه سعيد بن جبير وقيس بن سعد عن ابن عباس أنه قرأها كذلك (مثل نور من آمن بالله) وقرأ بعضهم (الله منور السماوات والأرض) وقال الضحاك (الله نور السماوات والأرض) وقال السدي في قوله " الله نور السماوات والأرض " فبنوره أضاءت السماوات والأرض وفى الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق في السيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في دعائه يوم آذاه أهل الطائف " أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي غضبك أو ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله " وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول " اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن " الحديث وعن ابن مسعود قال إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور العرش من نور وجهه وقوله تعالى " مثل نوره " في هذا الضمير قولان (أحدهما) أنه عائد إلى الله عز وجل أي مثل هداه في قلب المؤمن قاله ابن عباس " كمشكاة " والثاني أن الضمير عائد إلى المؤمن الذي دل عليه سياق الكلام تقديره مثل نور المؤمن الذي في قلبه كمشكاة، فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه كما قال تعالى " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه " فشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري وما يستمد به من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل الذي لا كدر فيه ولا انحراف فقوله " كمشكاة " قال ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وغير واحد: هو موضع الفتيلة من القنديل هذا هو المشهور ولهذا قال بعده " فيها مصباح " وهو الزبالة التي تضئ. وقال العوفي عن ابن عباس قوله " الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح " وذلك أن اليهود قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره فقال تعالى " الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة " والمشكاة كوة في البيت قال وهو مثل ضربه الله لطاعته فسمى الله طاعته نورا ثم سماها أنواعا شتى، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد هي الكوة بلغة الحبشة وزاد بعضهم فقال المشكاة الكوة التي لا منفذ لها وعن مجاهد المشكاة الحدائد التي يعلق بها القنديل والقول الأول أولى وهو أن المشكاة هو موضع الفتيلة من القنديل ولهذا قال " فيها مصباح " وهو النور الذي في الزبالة، قال أبي بن كعب المصباح النور وهو القرآن والايمان الذي في صدره وقال السدي هو السراج " المصباح في زجاجة " أي هذا الضوء والايمان الذي في صدره وقال السدي: هو السراج " المصباح في زجاجة " أي هذا الضوء مشرق في زجاجة صافية، وقال أبي بن كعب وغير واحد وهي نظير قلب المؤمن " الزجاجة كأنها كوكب دري " قرأ بعضهم بضم الدال من غير همزة من الدر أي كأنها كوكب من در. وقرأ آخرون درئ ودرئ، بكسر الدال وضمها مع الهمزة من الدرء وهو الدفع، وذلك أن النجم إذا رمي به يكون أشد استنارة من سائر الأحوال، والعرب تسمي ما لا يعرف من الكواكب دراري، وقال أبي بن كعب: كوكب مضئ، وقال قتادة مضئ مبين ضخم " يوقد من شجرة مباركة " أي يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة " زيتونه " بدل أو عطف بيان " لا شرقية ولا غربية " أي ليست في شرقي بقعتها فلا تصل إليها الشمس من أول النهار ولا في غربها فيقلص عنها الفئ قبل الغروب بل هي في مكان وسط تعصرها الشمس من أول النهار إلى آخره فيجئ زيتها صافيا معتدلا مشرقا، وروى ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عمار قال حدثنا عبد الرحمن ابن عبد الله بن سعد أخبرنا عمرو بن أبي قيس عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله " زيتونه لا شرقية ولا غربية " قال هي شجرة بالصحراء لا يظلها شجر ولا جبل ولا كهف ولا يواريها شئ وهو أجود لزيتها وقال يحيي بن سعيد القطان عن عمران بن حدير عن عكرمة في قوله تعالى " لا شرقية ولا غربية " قال هي بصحراء ذلك أصفى لزيتها، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم حدثنا عمرو بن فروخ عن حبيب
(٣٠١)