رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث، وأما من ذكره في أسماء الصحابة فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أ علم، والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة قاله علي بن أبي طلحة والعوفي عنه ونص على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة فعلى هذا يكون معنى الكلام يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب أي على الكتاب بمعنى المكتوب كقوله " فلما أسلما وتله للجبين " أي على الجبين، وله نظائر في اللغة والله أعلم. وقوله " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " يعني هذا كائن لا محالة يوم يعيد الله الخلائق خلقا جديدا كما بدأهم هو القادر على إعادتهم وذلك واجب الوقوع لأنه من جملة وعد الله الذي لا يخلف ولا يبدل وهو القادر على ذلك ولهذا قال " إنا كنا فاعلين " وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع أبو جعفر وعبيدة العمى قالوا حدثنا شعبة عن المغيرة بن النعمان عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال " إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " وذكر تمام الحديث أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة ذكره البخاري عند هذه الآية في كتابه، وقد روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ذلك، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله " كما بدأنا أول خلق نعيده " قال: يهلك كل شئ كما كان أول مرة.
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون (105) إن في هذا لبلاغا لقوم عبدين (106) وما أرسلناك إلا رحمة للعلمين (107) يقول تعالى مخبرا عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين من السعادة في الدنيا والآخرة ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة كقوله تعالى " إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " وقال " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد " وقال " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم " وأخبر تعالى أن هذا مسطور في الكتب الشرعية والقدرية وهو كائن لا محاله ولهذا قال تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر " قال الأعمش:
سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر " فقال الزبور: التوراة والإنجيل والقرآن، وقال مجاهد الزبور الكتاب، وقال ابن عباس والشعبي والحسن وقتادة وغير واحد: الزبور الذي أنزل على داود والذكر التوراة وعن ابن عباس الذكر القرآن، وقال سعيد بن جبير الذكر الذي في السماء، وقال مجاهد الزبور الكتب بعد الذكر والذكر أم الكتاب عند الله واختار ذلك ابن جرير رحمه الله وكذا قال زيد بن أسلم هو الكتاب الأول، وقال الثوري هو اللوح المحفوظ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الزبور الكتب التي أنزلت على الأنبياء والذكر أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض، ويدخلهم الجنة وهم الصالحون. وقال مجاهد عن ابن عباس " إن الأرض يرثها عبادي الصالحون " قال أرض الجنة وكذا قال أبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة والسدي وأبو صالح والربيع بن أنس والثوري، وقال أبو الدرداء، نحن الصالحون وقال السدي هم المؤمنون، وقوله " إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين " أي إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم لبلاغا لمنفعة وكفاية لقوم عابدين وهم الذين عبدوا الله بما شرعه وأحبه ورضيه وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان وشهوات أنفسهم وقوله " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " يخبر تعالى أن الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أي أرسله رحمة لهم كلهم فمن قبل الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة كما قال تعالى " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا