سورة مريم وفي سورة آل عمران أيضا وههنا أخصر منها " إذا نادى ربه " أي خفية عن قومه " رب لا تذرني فردا " أي لا ولد لي ولا وارث يقوم بعدي في الناس " وأنت خير الوارثين " دعاء وثناء مناسب للمسألة قال الله تعالى " فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه " أي امرأته قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير كانت عاقرا لا تلد فولدت وقال عبد الرحمن بن مهدي عن طلحة بن عمرو عن عطاء كان لسانها طول فأصلحها الله وفي رواية كان في خلقها شئ فأصلحها الله وهكذا قال محمد بن كعب والسدي، والأظهر من السياق الأول وقوله " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات " أي في عمل القربات والطاعات " ويدعوننا رغبا ورهبا " قال الثوري رغبا فيما عندنا ورهبا مما عندنا " وكانوا لنا خاشعين " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي مصدقين بما أنزل الله وقال مجاهد مؤمنين حقا وقال أبو العالية خائفين وقال أبو سنان الخشوع هو الخوف اللازم للقلب لا يفارقه أبدا وعن مجاهد أيضا خاشعين أي متواضعين وقال الحسن وقتادة والضحاك خاشعين أي متذللين لله عز وجل وكل هذه الأقوال متقاربة، وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا محمد بن فضيل حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الله القرشي عن عبد الله بن حكيم قال خطبنا أبو بكر رضي الله عنه ثم قال أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وتثنوا عليه بما هو له أهل وتخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الالحاف بالمسألة فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ".
والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين (91) هكذا يذكر تعالى قصة مريم وابنها عيسى مقرونة بقصة زكريا وابنه يحيى فيذكر أولا قصة زكريا ثم يتبعها بقصة مريم لان تلك مربوطة بهذه فإنها إيجاد ولد من شيخ كبير قد طعن في السن ومن امرأة عجوز عاقر لم تكن تلد في حال شبابها ثم يذكر قصة مريم وهي أعجب فإنها إيجاد ولد من أنثى بلا ذكر هكذا وقع في سورة آل عمران وفي سورة مريم وههنا ذكر قصة زكريا ثم أتبعها بقصة مريم بقوله " والتي أحصنت فرجها " يعني مريم عليها السلام كما قال في سورة التحريم " ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا " وقوله " وجعلناها وابنها آية للعالمين " أي دلالة على أن الله على كل شئ قدير وأنه يخلق ما يشاء وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وهذا كقوله " ولنجعله آية للناس " قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عمر بن علي حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مجلد عن شعيب يعني ابن بشير عن عكرمة عن ابن عباس في قوله " للعالمين " قال العالمين الجن والإنس.
إن هذه أمتكم أمة واحده وأنا ربكم فاعبدون (92) وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون (93) فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون (94) قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله " إن هذه أمتكم أمة واحدة " يقول دينكم دين واحد وقال الحسن البصري في هذه الآية يبين لهم ما يتقون وما يأتون ثم قال " إن هذه أمتكم أمة واحدة " أي سنتكم سنة واحدة فقوله " إن هذه " إن واسمها و " أمتكم " خبر إن أي هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم وقوله أمة واحدة نصب على الحال ولهذا قال " وأنا ربكم فاعبدون " وكما قال " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا - إلى قوله - وأنا ربكم فاتقون " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " يعني أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له بشرائع متنوعة لرسله كما قال تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " وقوله " وتقطعوا أمرهم بينهم " أي اختلفت الأمم على رسلها فمن بين مصدق لهم ومكذب ولهذا قال " وكل إلينا راجعون " أي يوم القيامة فيجازى كل بحسب عمله إن خيرا فخير