أن يكون حالا، ومعناه سبح حامدا كقولك: اخرج بسلاحك أي متسلحا ورابعها: يجوز أن يكون معناه سبح مقدرا أن تحمد بعد التسبيح كأنه يقول: لا يتأتى لك الجمع لفظا فاجمعهما نية كما أنك يوم النحر تنوي الصلاة مقدرا أن تنحر بعدها، فيجتمع لك الثوابان في تلك الساعة كذا ههنا وخامسها: أن تكون هذه الباء هي التي في قولك: فعلت هذا بفضل الله، أي سبحه بحمد الله وإرشاده وإنعامه، لا بحمد غيره، ونظيره في حديث الإفك قول عائشة: " بحمد الله لا بحمدك " والمعنى: فسبحه بحمده، فإنه الذي هداك دون غيره، ولذلك روى أنه عليه السلام كان يقول: " الحمد لله على الحمد لله " وسادسها: روى السدي بحمد ربك، أي بأمر ربك وسابعها: أن تكون الباء صلة زائدة، ويكون التقدير: سبح حمد ربك، ثم فيه احتمالات أحدها: اختر له أطهر المحامد وأزكاها والثاني: طهر محامد ربك عن الرياء والسمعة، والتوسل بذكرها إلى الأغراض الدنيوية الفاسدة والثالث: طهر محامد ربك عن أن تقول: جئت بها كما يليق به. وإليه الإشارة بقوله: * (وما قدروا الله حق قدره) * وثامنها: أي ائت بالتسبيح بدلا عن الحمد الواجب عليك، وذلك لأن الحمد إنما يجب في مقابلة النعم، ونعم الله علينا غير متناهية، فحمدها لا يكون في وسع البشر، ولذلك قال: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * فكأنه تعالى يقول: أنت عاجز عن الحمد، فأت بالتسبيح والتنزيه بدلا عن الحمد وتاسعها: فيه إشارة إلى أن التسبيح والحمد أمر أن لا يجوز تأخير أحدهما عن الثاني، ولا يتصور أيضا أن يؤتى بهما معا، فنظيره من ثبت له حق الشفعة وحق الرد بالعيب، وجب أن يقول: اخترت الشفعة بردي ذلك المبيع، كذا قال: * (فسبح بحمد ربك) * ليقعا معا، فيصير حامدا مسبحا في وقت واحد معا وعاشرها: أن يكون المراد سبح قلبك، أي طهر قلبك بواسطة مطالعة حمد ربك، فإنك إذا رأيت أن الكل من الله، فقد طهرت قلبك عن الالتفات إلى نفسك وجهدك، فقوله: * (فسبح) * إشارة إلى نفي ما سوى الله تعالى، وقوله: * (بحمد ربك) * إشارة إلى رؤية كل الأشياء من الله تعالى.
المسألة الخامسة: في قوله: * (واستغفره) * وجوه أحدها: لعله عليه السلام كان يتمنى أن ينتقم ممن آذاه، ويسأل الله أن ينصره، فلما سمع: * (إذا جاء نصر الله) * استبشر، لكن لو قرن بهذه البشارة شرط أن لا ينتقم لتنغصت عليه تلك البشارة، فذكر لفظ الناس وأنهم يدخلون في دين الله وأمره بأن يستغفر للداخلين لكن من المعلوم أن الاستغفار لمن لا ذنب له لا يحسن فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الطريق أنه تعالى ندبه إلى العفو وترك الانتقام، لأنه لما أمره بأن يطلب لهم المغفرة فكيف يحسن منه أن يشتغل بالانتقام منهم؟ ثم ختم بلفظ التواب كأنه يقول: إن قبول التوبة حرفته فكل من طلب منه التوبة أعطاه كما أن البياع حرفته بيع الأمتعة التي عنده فكل من طلب منه شيئا من تلك الأمتعة باعه منه، سواء كان المشتري عدوا أو وليا، فكذا الرب سبحانه يقبل التوبة سواء كان التائب مكيا أو مدنيا، ثم إنه عليه السلام امتثل أمر الرب تعالى فحين قالوا له: أخ كريم وابن أخ كريم قال لهم: