متصل بأسفل النوع الأعلى ولهذا قيل: آخر مراتب الإنسانية أول مراتب الملكية ثم الملائكة ذكروا في أنفسهم * (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) * فقوله ههنا: * (فسبح بحمد ربك) * إشارة إلى التشبه بالملائكة في قولهم: * (ونحن نسبح بحمدك) * وقوله ههنا: * (واستغفره) * إشارة إلى قوله تعالى: * (ونقدس لك) * لأنهم فسروا قوله: * (ونقدس لك) * أي نجعل أنفسنا مقدسة لأجل رضاك والاستغفار يرجع معناه أيضا إلى تقديس النفس، ويحتمل أن يكون المراد أنهم ادعوا لأنفسهم أنهم سبحوا بحمدي ورأوا ذلك من أنفسهم، وأما أنت فسبح بحمدي واستغفر من أن ترى تلك الطاعة من نفسك بل يجب أن تراها من توفيقي وإحساني، ويحتمل أن يقال: الملائكة كما قالوا: في حق أنفسهم: * (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) * قال الله في حقهم: * (ويستغفروا للذين آمنوا) * فأنت يا محمد استغفر للذين جاؤوا أفواجا كالملائكة يستغفرون للذين آمنوا ويقولون: * (ربنا فاغفر للذين تابعوا واتبعوا سبيلك) * الوجه الرابع: التسبيح هو التطهير، فيحتمل أن يكون المراد طهر الكعبة من الأصنام وكسرها ثم قال: * (بحمد ربك) * أن ينبغي أن يكون إقدامك على ذلك التطهير بواسطة الاستغفار بحمد ربك، وإعانته وتقويته، ثم إذا فعلت ذلك فلا ينبغي أن ترى نفسك آتيا بالطاعة اللائقة به، بل يجب أن ترى نفسك في هذه الحالة مقصرة، فاطلب الاستغفار عن تقصيرك في طاعته والوجه الخامس: كأنه تعالى يقول يا محمد إما أن تكون معصوما أو لم تكن معصوما فإن كنت معصوما فاشتغل بالتسبيح والتحميد، وإن لم تكن معصوما فاشتغل بالاستغفار فتكون الآية كالتنبيه على أنه لا فراغ عن التكليف في العبودية كما قال: * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) *.
المسألة الثانية: في المراد من التسبيح وجهان الأول: أنه ذكر الله بالتنزه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فقال تنزيه الله عن كل سوء وأصله من سبح فإن السابح يسبح في الماء كالطير في الهواء ويضبط نفسه من أن يرسب فيه فيهلك أو يتلوث من مقر الماء ومجراه والتشديد للتبعيد لأنك تسبحه أي تبعده عما لا يجوز عليه، وإنما حسن استعماله في تنزيه الله عما لا يجوز عليه من صفات الذات والفعل نفيا وإثباتا لأن السمكة كما أنها لا تقبل النجاسة فكذا الحق سبحانه لا يقبل مالا ينبغي البتة فاللفظ يفيد التنزيه في الذات والصفات والأفعال والقول الثاني: أن المراد بالتسبيح الصلاة لأن هذا اللفظ وارد في القرآن بمعنى الصلاة قال تعالى: * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) * وقال: * (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس) * والذي يؤكده أن هذه السورة من آخر ما نزل، وكان عليه السلام في آخر مرضه يقول: " الصلاة وما ملكت أيمانكم " جعل يلجلجها في صدره وما يقبض بها لسانه، ثم قال بعضهم: عني به صلاة الشكر صلاها يوم الفتح ثمان ركعات " وقال آخرون: هي صلاة الضحى، وقال آخرون: صلي ثمان ركعات أربعة للشكر وأربعة الضحى وتسمية الصلاة بالتسبيح لما أنها لا تنفك عنه وفيه تنبيه: على أنه يجب تنزيه صلاتك عن أنواع النقائص في الأقوال والأفعال، واحتج