إلى كل الأمة حتى يبقى نقل القرآن متواترا، وحتى نعلم أنه أحسن القيام بتبليغ الوحي، فوجب عليه الإتيان بالتسبيح والاستغفار على وجه الإظهار ليحصل هذا الغرض وثانيها: أنه من جملة المقاصد أن يصير الرسول قدوة للأمة حتى يفعلوا عند النعمة والمحنة، ما فعله الرسول من تجديد الشكر والحمد عند تجديد النعمة وثالثها: أن الأغلب في الشاهد أن يأتي بالحمد في ابتداء الأمر، فأمر الله رسوله بالحمد والاستغفار دائما، وفي كل حين وأوان ليقع الفرق بينه وبين غيره، ثم قال: واستغفره حين نعيت نفسه إليه ليفعل الأمة عند اقتراب آجالهم مثل ذلك.
المسألة الثامنة: في الآية سؤالات أحدها: وهو أنه قال: * (إنه كان توابا) * على الماضي وحاجتنا إلى قبوله في المستقبل وثانيها: هلا قال: غفارا كما قاله: في سورة نوح وثالثها: أنه قال: * (نصر الله) * وقال: * (في دين الله) * فلم لم يقل: بحمد الله بل قال: * (بحمد ربك) * والجواب: عن الأول من وجوه أحدها: أن هذا أبلغ كأنه يقول: ألست أثنيت عليكم بأنكم: * (خير أمة أخرجت للناس) * ثم من كان دونكم كنت أقبل توبتهم كاليهود فإنهم بعد ظهور المعجزات العظيمة، وفلق البحر ونتق الجبل، ونزول المن والسلوى عصوا ربهم. وأتوا بالقبائح، فلما تابوا قبلت توبتهم فإذا كنت قابلا للتوبة ممن دونكم أفلا أقبلها منكم وثانيها: منذ كثير كنت شرعت في قبول توبة العصاة والشروع ملزم على قبول النعمان فكيف في كرم الرحمن وثالثها: كنت توابا قبل أن آمركم بالاستغفار أفلا أقبل وقد أمرتكم بالاستغفار ورابعها: كأنه إشارة إلى تخفيف جنايتهم أي لستم بأول من جنى وتاب بل هو حرفتي، والجناية مصيبة للجاني والمصيبة إذا عمدت خفت وخامسها: كأنه نظير ما يقال: لقد أحسن الله فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي والجواب: عن السؤال الثاني من وجوه أحدها: لعله خص هذه الأمة بزيادة شرف لأنه لا يقال في صفات العبد غفار، ويقال: تواب إذا كان آتيا بالتوبة، فيقول تعالى: كنت لي سميا من أول الأمر أنت مؤمن، وأنا مؤمن، وإن كان المعنى مختلفا فتب حتى تصير سميا لي آخر الأمر، فأنت تواب، وأنا تواب، ثم إن التواب في حق الله، هو أنه تعالى يقبل التوبة كثيرا فنبه على أنه يجب على العبد أن يكون إتيانه كثيرا وثانيها: إنما قيل: توابا لأن القائل قد يقول: أستغفر الله وليس بتائب، ومنه قوله: " المستغفر بلسانه المصر بقلبه كالمستهزئ بربه " إن قيل: فقد يقول: أتوب، وليس بتائب، قلنا: فإذا يكون كاذبا، لأن التوبة اسم للرجوع والندم، بخلاف الاستغفار فإنه لا يكون كاذبا فيه، فصار تقدير الكلام، واستغفره بالتوبة، وفيه تنبيه على أن خواتيم الأعمال يجب أن تكون بالتوبة والاستغفار، وكذا خواتيم الأعمال، وروى أنه لم يجلس مجلسا إلا ختمه بالاستغفار والجواب: عن السؤال الثالث أنه تعالى راعى العدل فذكر اسم الذات مرتين وذكر اسم الفعل مرتين أحدهما: الرب والثاني: التواب، ولما كانت التربية تحصل أولا والتوابية آخرا، لا جرم ذكر اسم الرب أولا واسم التواب آخرا.