منها، وكان في المقدمة العاشرة مقلدا كان في النتيجة مقلدا لا محالة لأن فرع التقليد أولى أن يكون تقليدا وإن كان عالما بمجموع تلك المقدمات العشرة استحال كون غيره أعرف منه بذلك الدليل، لأن تلك الزيادة إن كانت جزءا معتبرا في دلالة هذا الدليل لم تكن المقدمات العشرة الأولى تمام الدليل، فإنه لا بد معها من هذه المقدمة الزائدة، وقد كنا فرضنا تلك العشرة كافية، وإن لم تكن الزيادة معتبرة في دلالة ذلك الدليل كان ذلك أمرا منفصلا عن ذلك الدليل غير معتبر في كونه دليلا على ذلك المدلول، فثبت أن العلم بكون الدليل دليلا لا يقبل الزيادة والنقصان، فأما أن يقال: إن أولئك الأعراب كانوا عالمين بجميع مقدمات دلائل هذه المسائل بحيث ما شذ عنهم من تلك المقدمات واحدة، وذلك مكابرة أو ما كانوا كذلك. فحينئذ ثبت أنهم كانوا مقلدين، ومما يؤكد ما ذكرنا ما روى عن الحسن أنه قال: لما فتح رسول الله مكة أقبلت العرب بعضها على بعض فقالوا: إذا ظفر بأهل الحرم وجب أن يكون على الحق، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل، وكل من أرادهم بسوء ثم أخذوا يدخلون في الإسلام أفواجا من غير قتال، هذا ما رواه الحسن، ومعلوم أن الاستدلال بأنه لما ظفر بأهل مكة وجب أن يكون على الحق ليس بجيد، فعلمنا أنهم ما كانوا مستدلين بل مقلدين.
المسألة الرابعة: دين الله هو الإسلام لقوله تعالى: * (إن الدين عند الله الإسلام) * ولقوله: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) * وللدين أسماء أخرى، منها الإيمان قال الله تعالى: * (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) * ومنها الصراط قال تعالى: * (صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * ومنها كلمة الله، ومنها النور: * (ليطفئوا نور الله) * ومنها الهدي لقوله: * (يهدي به من يشاء) * ومنها العروة: * (فقد استمسك بالعروة الوثقى) * ومنها الحبل: * (واعتصموا بحبل الله) * ومنها صبغة الله، وفطرة الله، وإنما قال: * (في دين الله) * ولم يقل: في دين الرب، ولا سائر الأسماء لوجهين الأول: أن هذا الاسم أعظم الأسماء لدلالته على الذات والصفات، فكأنه يقول: هذا الدين إن لم يكن له خصلة سوى أنه دين الله فإنه يكون واجب القبول والثاني: لو قال: دين الرب لكان يشعر ذلك بأن هذا الدين إنما يجب عليك قبوله لأنه رباك، وأحسن إليك وحينئذ تكن طاعتك له معللة بطلب النفع، فلا يكون الإخلاص حاصلا، فكأنه يقول أخلص الخدمة بمجرد أني إله لا لنفع يعود إليك.
المسألة الخامسة: الفوج: الجماعة الكثيرة كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعدما كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا وإثنين اثنين، وعن جابر بن عبد الله أنه بكى ذات يوم فقيل له: ما يبكيك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " دخل الناس في دين الله أفواجا، وسيخرجون منه أفواجا " نعوذ بالله من السلب بعد العطاء.