القلب بلذة الجاه والقبول، فاستغفر لهذا القدر من ذنبك، واستغفر لذنبهم فإنهم كلما كانوا أكثر كانت ذنوبهم أكثر فكان احتياجهم إلى استغفارك أكثر الوجه الثاني: أنه عليه السلام لما تبرأ عن الكفر وواجههم بالسوء في قوله: * (يا أيها الكافرون) * كأنه خاف بعض القوم فقلل من تلك الخشونة فقال: * (لكم دينكم ولي دين) * فقيل: يا محمد لا تخف فإني لا أذهب بك إلى النصر بل أجيء بالنصر إليك: * (إذا جاء نصر الله) * نظيره: " زويت الأرض " يعني لا تذهب إلى الأرض بل تجيء الأرض إليك، فإن سئمت المقام وأردت الرحلة، فمثلك لا يرتحل إلا إلى قاب قوسين: * (سبحان الذي أسرى بعبده) * بل أزيد على هذا فأفضل فقراء أمتك على أغنيائهم ثم آمر الأغنياء بالضحايا ليتخذوها مطايا فإذا بقي الفقير من غير مطية أسوق الجنة إليه: * (وأزلفت الجنة للمتقين) * الوجه الثالث: كأنه سبحانه قال: يا محمد إن الدنيا لا يصفو كدرها ولا تدوم محنها ولا نعيمها فرحت بالكوثر فتحمل مشقة سفاهة السفهاء حيث قالوا: اعبد آلهتنا حتى نعبد إلهك فلما تبرأ عنهم وضاق قلبه من جهتهم قال: أبشر فقد جاء نصر الله فلما استبشر قال: الرحيل الرحيل أما علمت أنه لا بد بعد الكمال من الزوال، فاستغفره أيها الإنسان لا تحزن من جوع الربيع فعقيبه غنى الخريف ولا تفرح بغنى الخريف فعقيبه وحشة الشتاء، فكذا من تم إقباله لا يبقى له إلا الغير ومنه إذا تم أمر دنا نقصه توقع زوالا إذا قيل تم إلهي لم فعلت كذلك قال: حتى لا نضع قلبك على الدنيا بل تكون أبدا على جناح الارتحال والسفر الوجه الرابع: لما قال في آخر السورة المتقدمة: * (لكم دينكم ولي دين) * فكأنه قال: إلهي وما جزائي فقال: نصر الله فيقول: وما جزاء عمي حين دعاني إلى عبادة الأصنام فقال: * (تبت يدا أبي لهب) * فإن قيل: فلم بدأ بالوعد قبل الوعيد، قلنا: لوجوه أحدها: لأن رحمته سبقت غضبه والثاني: ليكن الجنس متصلا بالجنس فإنه قال: * (ولي دين) * وهو النصر كقوله: * (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، فأما الذين اسودت وجوههم) *، وثالثها: الوفاء بالوعد أهم في الكرم من الوفاء بالانتقام، فتأمل في هذه المجانسات الحاصلة بين هذه السور مع أن هذه السور مع أن هذه السورة من أواخر ما نزل بالمدينة وتلك السورة من أوائل ما نزل بمكة ليعلم أن ترتيب هذه السور من الله وبأمره الوجه الخامس: أن في السورة المتقدمة لم يذكر شيئا من أسماء الله، بل قال: ما أعبد بلفظ ما، كأنه قال: لا أذكر اسم الله حتى لا يستخفوا فتزداد عقوبتهم، وفي هذه السورة ذكر أعظم أساميه لأنها منزلة على الأحباب ليكون ثوابهم بقراءته أعظم فكأنه سبحانه قال لا تذكر اسمي مع الكافرين حتى لا يهينوه واذكره مع الأولياء حتى يكرموه الوجه السادس: قال النحويون: إذا منصوب بسبح، والتقدير فسبح بحمد ربك إذا جاء نصر الله، كأنه سبحان يقول: جعلت الوقت ظرفا لما تريده وهو النصر والفتح والظفر. وملأت ذلك الظرف من هذه
(١٥٠)