كان محض الجهل. وهذا يدل على غاية التقريع ونهاية الزجر، وأيضا جعل الجهل كناية عن الذنب مشهور في القرآن. قال تعالى: * (يعملون السوء بجهالة) * (النساء: 17) وقال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: * (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) * (البقرة: 67). الوجه الخامس: أن نوحا عليه السلام اعترف بإقدامه على الذنب والمعصية في هذا المقام فإنه قال: * (إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) * واعترافه بذلك يدل على أنه كان مذنبا.
الوجه السادس: في التمسك بهذه الآية أن هذه الآية تدل على أن نوحا نادى ربه لطلب تخليص ولده من الغرق، والآية المتقدمة وهي قوله: * (ونادى نوح ابنه) * وقال: * (يا بني اركب معنا) * تدل على أنه عليه السلام طلب من ابنه الموافقة. فنقول: إما أن يقال إن طلب هذا المعنى من الله كان سابقا على طلبه من الولد أو كان بالعكس، والأول باطل لأن بتقدير أن يكون طلب هذا المعنى من الله تعالى سابقا على طلبه من الابن لكان قد سمع من الله أنه تعالى لا يخلص ذلك الابن من الغرق، وأنه تعالى نهاه عن ذلك الطلب، وبعد هذا كيف قال له: * (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) * وأما إن قلنا: إن هذا الطلب من الابن كان متقدما فكان قد سمع من الابن قوله: * (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) * وظهر بذلك كفره، فكيف طلب من الله تخليصه، وأيضا أنه تعالى أخبر أن نوحا لما طلب ذلك منه وامتنع هو صار من المغرقين فكيف يطلب من الله تخليصه من الغرق بعد أن صار من المغرقين، فهذه الآية من هذه الوجوه الستة تدل على صدور المعصية من نوح عليه السلام.
واعلم أنه لما دلت الدلائل الكثيرة على وجوب تنزيه الله تعالى الأنبياء عليهم السلام من المعاصي، وجب حمل هذه الوجوه المذكورة على ترك الأفضل والأكمل، وحسنات الأبرار سيئات المقربين، فلهذا السبب حصل هذا العتاب والأمر بالاستغفار، ولا يدل على سابقة الذنب كما قال: * (إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره) * (النصر: 1 - 3) ومعلوم أن مجيء نصر الله والفتح ودخول الناس في دين الله أفواجا ليست بذنب يوجب الاستغفار وقال تعالى: * (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) * (محمد: 19) وليس جميعهم مذنبين، فدل ذلك على أن الاستغفار قد يكون بسبب ترك لأفضل.
المسألة الثانية: قرأ نافع برواية ورش وإسماعيل بتشديد النون وإثبات الياء * (تسألني) * وقرأ ابن عامر ونافع برواية قالون بتشديد النون وكسرها من غير إثبات الياء، وقرأ أبو عمرو بتخفيف