كانت قرابة النسب حاصلة من أقوى الوجوه ولكن لما انتفت قرابة الدين لا جرم نفاه الله تعالى بأبلغ الألفاظ وهو قوله: * (إنه ليس من أهلك) *.
ثم قال تعالى: * (إنه عمل غير صالح) * قرأ الكسائي: عمل على صيغة الفعل الماضي، وغير بالنصب، والمعنى: إن ابنك عمل عملا غير صالح يعني أشرك وكذب، وكلمة * (غير) * نصب، لأنها نعت لمصدر محذوف، وقرأ الباقون: عمل بالرفع والتنوين، وفيه وجهان: الأول: أن الضمير في قوله إنه عائد إلى السؤال، يعني أن هذا السؤال عمل وهو قوله: * (إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق) * غير صالح، لأن طلب نجاة الكافر بعد أن سبق الحكم، الجزم بأنه لا ينجي أحدا منهم سؤال باطل. الثاني: أن يكون هذا الضمير عائدا إلى الابن، وعلى هذا التقدير ففي وصفه بكونه عملا غير صالح وجوه: الأول: أن الرجل إذا كثر عمله وإحسانه يقال له: إنه علم وكرم وجود، فكذا ههنا لما كثر إقدام ابن نوح على الأعمال الباطلة حكم عليه بأنه في نفسه عمل باطل. الثاني: أن يكون المراد أنه ذو عمل باطل، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه. الثالث: قال بعضهم معنى قوله: * (إنه عمل غير صالح) * أي إنه ولد زنا وهذا القول باطل قطعا.
ثم إنه تعالى قال لنوح عليه السلام: * (فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: احتج بهذه الآية من قدح في عصمة الأنبياء عليهم السلام من وجوه:
الوجه الأول: أن قراءة عمل بالرفع والتنوين قراءة متواترة فهي محكمة، وهذا يقتضي عود الضمير في قوله: * (إنه عمل غير صالح) * إما إلى ابن نوح وإما إلى ذلك السؤال، فالقول بأنه عائد إلى ابن نوح لا يتم إلا بإضمار وهو خلاف الظاهر. ولا يجوز المصير إليه إلا عند الضرورة ولا ضرورة ههنا، لأنا إذا حكمنا بعود الضمير إلى السؤال المتقدم فقد استغنينا عن هذا الضمير، فثبت أن هذا الضمير عائد إلى هذا السؤال، فكان التقدير أن هذا السؤال عمل غير صالح، أي قولك: إن ابني من أهلي لطلب نجاته عمل غير صالح، وذلك يدل على أن هذا السؤال كان ذنبا ومعصية.
الوجه الثاني: أن قوله: * (فلا تسألن) * نهي له عن السؤال، والمذكور السابق هو قوله * (إن ابني من أهلي) * فدل هذا على أنه تعالى نهاه عن ذلك السؤال فكان ذلك السؤال ذنبا ومعصية.
الوجه الثالث: أن قوله: * (فلا تسألن ما ليس لك به علم) * يدل على أن ذلك السؤال كان قد صدر لا عن العلم، والقول بغير العلم ذنب لقوله تعالى: * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * (البقرة: 169).
الوجه الرابع: أن قوله تعالى: * (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) * يدل على أن ذلك السؤال