إلا مفترون) * وفيه سؤال وهو أنه كيف دعاهم إلى عبادة الله تعالى قبل أن أقام الدلالة على ثبوت الإله تعالى؟
قلنا: دلائل وجود الله تعالى ظاهرة، وهي دلائل الآفاق والأنفس وقلما توجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله تعالى، ولذلك قال تعالى في صفة الكفار: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) *.
قال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي رحمه الله وختم له بالحسن، دخلت بلاد الهند فرأيت أولئك الكفار مطبقين على الاعتراف بوجود الإله، وأكثر بلاد الترك أيضا كذلك، وأنما الشأن في عبادة الأوثان، فإنها آفة عمت أكثر أطراف الأرض وهكذا الأمر كان في الزمان القديم، أعني زمان نوح وهود وصالح عليهم السلام، فهؤلاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كانوا يمنعونهم من عبادة الأصنام، فكان قوله: * (اعبدوا الله) * معناه لا تعبدوا غير الله والدليل عليه أنه قال عقيبه: * (مالكم من إله غيره) * وذلك يدل على أن المقصود من هذا الكلام منعهم عن الاشتغال بعبادة الأصنام.
وأما قوله: * (مالكم من إله غيره) * فقرئ * (غيره) * بالرفع صفة على محل الجار والمجرور، وقرئ بالجر صفة على اللفظ.
ثم قال: * (إن أنتم إلا مفترون) * يعني أنكم كاذبون في قولكم إن هذه الأصنام تحسن عبادتها، أو في قولكم إنها تستحق العبادة، وكيف لا يكون هذا كذبا وافتراء وهي جمادات لا حس لها ولا إدراك، والإنسان هو الذي ركبها وصورها فكيف يليق بالإنسان الذي صنعها أن يعبدها وأن يضع الجبهة على التراب تعظيما لها، ثم إنه عليه الصلاة والسلام لما أرشدهم إلى التوحيد ومنعهم عن عبادة الأوثان قال: و * (يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني) * وهو عين ما ذكره نوح عليه السلام، وذلك لأن الدعوة إلى الله تعالى إذا كانت مطهرة عن دنس الطمع، قوي تأثيرها في القلب.
ثم قال * (أفلا تعقلون) * يعني أفلا تعقلون أني مصيب في المنع من عبادة الأصنام، وذلك لأن العلم بصحة هذا المنع، كأنه مركوز في بدائه العقول.