محمد صلى الله عليه وسلم، الثالث: أنه ذكر في أول السورة * (نحن نقص عليك أحسن القصص) * (يوسف: 3) ثم ذكر في آخرها: * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * تنبيها على أن حسن هذه القصة إنما كان بسبب أنه يحصل منها العبرة ومعرفة الحكمة والقدرة. والمراد من قصصهم قصة يوسف عليه السلام وإخوته وأبيه، ومن الناس من قال: المراد قصص الرسل لأنه تقدم في القرآن ذكر قصص سائر الرسل إلا أن الأولى أن يكون المراد قصة يوسف عليه السلام.
فإن قيل: لم قال: * (عبرة لأولي الألباب) * مع أن قوم محمد صلى الله عليه وسلم كانوا ذوي عقول وأحلام، وقد كان الكثير منهم لم يعتبر بذلك.
قلنا: إن جميعهم كانوا متمكنين من الاعتبار، والمراد من وصف هذه القصة بكونها عبرة كونها بحيث يمكن أن يعتبر بها العاقل، أو نقول: المراد من أولي الألباب الذين اعتبروا وتفكروا وتأملوا فيها وانتفعوا بمعرفتها، لأن * (أولي الألباب) * لفظ يدل على المدح والثناء فلا يليق إلا بما ذكرناه، واعلم أنه تعالى وصف هذه القصة بصفات.
الصفة الأولى: كونها * (عبرة لأولي الألباب) * وقد سبق تقريره.
الصفة الثانية: قوله: * (ما كان حديثا يفترى) * وفيه قولان: الأول: أن المراد الذي جاء به وهو محمد صلى الله عليه وسلم لا يصح منه أن يفتري لأنه لم يقرأ الكتب ولم يتلمذ لأحد ولم يخالط العلماء فمن المحال أن يفتري هذه القصة بحيث تكون مطابقة لما ورد في التوراة من غير تفاوت، والثاني: أن المراد أنه ليس يكذب في نفسه، لأنه لا يصح الكذب منه، ثم إنه تعالى أكد كونه غير مفترى فقال: * (ولكن تصديق الذي بين يديه) * وهو إشارة إلى أن هذه القصة وردت على الوجه الموافق لما في التوراة وسائر الكتب الإلهية، ونصب تصديقا على تقدير ولكن كان تصديق الذي بين يديه كقوله تعالى: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله) * (الأحزاب: 40) قاله الفراء والزجاج، ثم قال: ويجوز رفعه في قياس النحو على معنى: ولكن هو تصديق الذي بين يديه.
والصفة الثالثة: قوله: * (وتفصيل كل شيء) * وفيه قولان: الأول: المراد وتفصيل كل شيء من واقعة يوسف عليه السلام مع أبيه وإخوته، والثاني: أنه عائد إلى القرآن، كقوله: * (ما فرطنا في الكتاب من شيء) * (الأنعام: 38) فإن جعل هذا الوصف وصفا لكل القرآن أليق من جعله وصفا لقصة يوسف وحدها، ويكون المراد: ما يتضمن من الحلال والحرام وسائر ما يتصل بالدين. قال الواحدي على التفسيرين جميعا: فهو من العام الذي أريد به الخاص كقوله: * (ورحمتي وسعت كل شيء) * (الأعراف: 156) يريد: كل شيء يجوز أن يدخل فيها وقوله: * (وأوتيت من كل شيء) * (النمل: 23).