فسبب خوفه على هذا التقدير أيضا أمران: أحدها: أنه خاف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله تعالى عليه: والثاني: أنه خاف أن يكون نزولهم لتعذيب قومه.
فإن قيل: فأي هذين الاحتمالين أقرب وأظهر؟
قلنا: أما الذي يقول إنه ما عرف أنهم ملائكة الله تعالى فله أن يحتج بأمور: أحدها: أنه تسارع إلى إحضار الطعام، ولو عرف كونهم من الملائكة لما فعل ذلك. وثانيها: أنه لما رآهم ممتنعين من الأكل خافهم، ولو عرف كونهم من الملائكة لما استدل بترك الأكل على حصول الشر، وثالثها: أنه رآهم في أول الأمر في صورة البشر، وذلك لا يدل على كونهم من الملائكة. وأما الذي يقول: إنه عرف ذلك احتج بقوله: * (لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * وإنما يقال هذا لمن عرفهم ولم يعرف بأي سبب أرسلوا، ثم بين تعالى أن الملائكة أزالوا ذلك الخوف عنه فقالوا: * (لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * ومعناه: أرسلنا بالعذاب إلى قوم لوط، لأنه أضمر لقيام الدليل عليه في سورة أخرى، وهو قوله: * (إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين. لنرسل عليهم حجارة) * (الذاريات: 33).
ثم قال تعالى: * (وامرأته قائمة) * يعني سارة بنت آزر بن باحورا بنت عم إبراهيم عليه السلام، وقوله: * (قائمة) * قيل: كانت قائمة من وراء الستر تستمع إلى الرسل، لأنها ربما خافت أيضا. وقيل: كانت قائمة تخدم الأضياف وإبراهيم عليه السلام جالس معهم، ويأكد هذا التأويل قراءة ابن مسعود * (وامرأته قائمة) * وهو قاعد.
ثم قال تعالى: * (فضحكت فبشرناها بإسحق) * واختلفوا في الضحك على قولين: منهم من حمله على نفس الضحك، ومنهم من حمل هذا اللفظ على معنى آخر سوى الضحك. أما الذين حملوه على نفس الضحك فاختلفوا في أنها لم ضحكت، وذكروا وجوها: الأول: قال القاضي إن ذلك السبب لا بد وأن يكون سببا جرى ذكره في هذه الآية، وما ذاك إلا أنها فرحت بزوال ذلك الخوف عن إبراهيم عليه السلام حيث قالت الملائكة: * (لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * وعظم سرورها بسبب سروره بزوال خوفه، وفي مثل هذه الحالة قد يضحك الإنسان، وبالجملة فقد كان ضحكها بسبب قول الملائكة لإبراهيم عليه السلام * (لا تخف) * فكان كالبشارة، فقيل لها: نجعل هذه البشارة بشارتين، فكما حصلت البشارة بزوال الخوف، فقد حصلت البشارة أيضا بحصول الولد الذي كنتم تطلبونه من أول العمر إلى هذا الوقت وهذا تأويل في غاية الحسن. الثاني: يحتمل أنها كانت عظيمة الإنكار على قوم لوط لما كانوا عليه من الكفر والعمل الخبيث، فلما أظهروا أنهم جاؤوا لإهلاكهم لحقها السرور فضحكت. الثالث: قال السدي قال إبراهيم عليه السلام لهم: * (ألا تأكلون) * قالوا: