وقوله: * (مقيم خالدين فيها أبدا) * المراد منه الإجلال والتعظيم الذي يجب حصوله في الثواب.
وأما تفسير هذه الآية على طريقة العارفين المحبين المشتاقين فنقول: المرتبة الأولى من الأمور المذكورة في هذه الآية قوله: * (يبشرهم ربهم) *.
واعلم أن الفرح بالنعمة يقع على قسمين: أحدهما: أن يفرح بالنعمة لأنها نعمة. والثاني: أن يفرح بها لا من حيث هي بل من حيث إن المنعم خصه بها وشرفه. وإن عجز ذهنك عن الوصول إلى الفرق بين القسمين فتأمل فيما إذا كان العبد واقفا في حضرة السلطان الأعظم وسائر العبيد كانوا واقفين في خدمته، فإذا رمى ذلك السلطان تفاحة إلى أحد أولئك العبيد عظم فرحه بها فذلك الفرح العظيم ما حصل بسبب حصول تلك التفاحة، بل بسبب أن ذلك السلطان خصه بذلك الأكرام، فكذلك ههنا. قوله: * (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان) * منهم من كان فرحهم بسبب الفوز بتلك الرحمة، ومنهم من لم يفرح بالفوز بتلك الرحمة، وإنما فرح لأن مولاه خصه بتلك الرحمة وحينئذ يكون فرحه لا بالرحمة بل بمن أعطى الرحمة، ثم إن هذا المقام يحصل فيه أيضا درجات فمنهم من يكون فرحه بالراحم لأنه رحم، ومنهم من يتوغل في الخلوص فينسى الرحمة ولا يكون فرحه إلا بالمولى لأنه هو المقصد، وذلك لأن العبد ما دام مشغولا بالحق من حيث أنه راحم فهو غير مستغرق في الحق، بل تارة مع الحق وتارة مع الخلق، فإذا تم الأمر انقطع عن الخلق وغرق في بحر نور الحق وغفل عن المحبة والمحنة، والنقمة والنعمة، والبلاء والآلاء، والمحققون وقفوا عند قوله: * (يبشرهم ربهم) * فكان ابتهاجهم بهذا وسرورهم به وتعويلهم عليه ورجوعهم إليه ومنهم من لم يصل إلى تلك الدرجة العالية فلا تقنع نفسه إلا بمجموع قوله: * (يبشرهم ربهم برحمة منه) * فلا يعرف أن الاستبشار بسماع قول ربهم، بل إنما يستبشر بمجموع كونه مبشرا بالرحمة، والمرتبة الثانية هي أن يكون استبشاره بالرحمة وهذه المرتبة هي النازلة عند المحققين. واللطيفة الثانية من لطائف هذه الآية هي أنه تعالى قال: * (يبشرهم ربهم) * وهي مشتملة على أنواع من الرحمة والكرامة. أولها: أن البشارة لا تكون إلا بالرحمة والإحسان. والثاني: أن بشارة كل أحد يجب أن تكون لائقة بحاله، فلما كان المبشر ههنا هو أكرم الأكرمين، وجب أن تكون البشرة بخيرات تعجز العقول عن وصفها وتتقاصر الأفهام عن نعتها. والثالث: أنه تعالى سمى نفسه ههنا بالرب وهو مشتق من التربية كأنه قال: الذي رباكم في الدنيا بالنعم التي لا حد لها ولا حصر لها يبشركم بخيرات عالية وسعادات كاملة. والرابع: أنه تعالى قال: * (ربهم) * فأضاف نفسه إليهم، وما أضافهم إلى نفسه. والخامس: أنه تعالى قدم ذكرهم على ذكر نفسه فقال: * (يبشرهم ربهم) * والسادس: أن البشارة هي الأخبار عن حدوث