درجة عند الله، وهذا يقتضي أيضا أن يكون للمرجوح أيضا درجة عند الله، وذلك لا يليق إلا بالمؤمن وسنجيب عن هذا الكلام إذا انتهينا إليه. وإما الذين قالوا: إنها جرت بين المسلمين والكافرين، فقد احتجوا على صحة قولهم بقوله تعالى: * (كمن آمن بالله) * وبين من آمن بالله وهذا هو الأقرب عندي. وتقرير الكلام أن نقول: إنا قد نقلنا في تفسير قوله تعالى: * (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله) * أن العباس احتج على فضائل نفسه، بأنه عمر المسجد الحرام وسقي الحاج. فأجاب الله عنه بوجهين:
الوجه الأول: ما بين في الآية الأولى أن عمارة المسجد، إنما توجب الفضيلة إذا كانت صادرة عن المؤمن، أما إذا كانت صادرة عن الكافر فلا فائدة فيها البتة.
والوجه الثاني: من الجواب كل ما ذكره في هذه الآية، وهو أن يقال: هب أنا سلمنا أن عمارة المسجد الحرام وسقي الحاج، يوجب نوعا من أنواع الفضيلة، إلا أنها بالنسبة إلى الإيمان بالله، والجهاد قليل جدا. فكان ذكر هذه الأعمال في مقابلة الإيمان بالله والجهاد خطأ، لأنه يقتضي مقابلة الشيء الشريف الرفيع جدا بالشيء الحقير التافه جدا، وأنه باطل، فهذا هو الوجه في تخريج هذه الآية، وبهذا الطريق يحصل النظم الصحيح لهذه الآية بما قبلها.
المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف ": السقاية والعمارة مصدران من سقى وعمر كالصيانة والوقاية.
واعلم أن السقاية والعمارة فعل، قوله: * (من آمن بالله) * إشارة إلى الفاعل، فظاهر اللفظ يقتضي تشبيه الفعل بالفاعل، والصفة بالذات وأنه محال، فلا بد من التأويل وهو من وجهين: الأول: أن نقول التقدير أجعلتم أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كم آمن بالله؟ ويقويه قراءة عبد الله بن الزبير * (سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام) * والثاني: أن نقول التقدير أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن بالله؟ ونظيره قوله تعالى: * (ليس البر أن تولوا وجوهكم) * (البقرة: 177) إلى قوله: * (ولكن البر من آمن بالله) *.
المسألة الثالثة: قال الحسن رحمه الله تعالى: كانت السقاية بنبيذ الزبيب، وعن عمر أنه وجد نبيذ السقاية من الزبيب شديدا فكسر منه بالماء ثلاثا، وقال إذا اشتد عليكم فاكسروا منه بالماء وأما عمارة المسجد الحرام فالمراد تجهيزه وتحسين صورة جدرانه، ولما ذكر تعالى وصف الفريقين قال: * (لا يستوون) * ولكن لما كان نفي المساواة بينهما لا يفيد أن الراجح من هو؟ نبه على الراجح بقوله: * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * فبين أن الكافرين ظالمون لأنفسهم فإنهم خلقوا للإيمان وهم