يشبه الخشب، وتحته ذلك القشر الذي هو كالغشاء الرقيق المحيط باللب، وتحته ذلك اللب، وذلك اللب مشتمل على جرم كثيف هو أيضا كالقشر، وعلى جرم لطيف وهو الدهن، وهو المقصود الأصلي، فتولد هذه الأجسام المختلفة في طبائعها وصفاتها وألوانها وأشكالها وطعومها مع تساوي تأثيرات الطبائع والنجوم والفصول الأربعة والطبائع الأربع، يدل على أنها إنما حدثت بتدبير الحكيم الرحيم المختار القادر لا بتدبير الطبائع والعناصر. ورابعها: أنك قد تجد الطبائع الأربع حاصلة في الفاكهة الواحدة، فالأترنج قشره حار يابس، ولحمه بارد رطب، وحماضه بارد يابس، وبذره حار يابس، وكذلك العنب قشره وعجمه بارد يابس، وماؤه ولحمه حار رطب، فتولد هذه الطبائع المضادة والخواص المتنافرة عن الحبة الواحدة لا بد وأن يكون بإيجاد الفاعل المختار. وخامسها: أنك تجد أحوال الفواكه مختلفة فبعضها يكون اللب في الداخل والقشر في الخارج كما في الجوز واللوز وبعضها يكون الفاكهة المطلوبة في الخارج، وتكون الخشبة في الداخل كالخوخ والمشمس، وبعضها يكون النواة لها لب كما في نوى المشمش والخوخ، وبعضها لا لب له، كما في نوى التمر وبعض الفواكه لا يكون له من الداخل والخارج قشر، بل يكون كله مطلوبا كالتين، فهذه أحوال مختلفة في هذه الفواكه وأيضا هذه الحبوب مختلفة في الأشكال والصور فشكل الحنطة كأنه نصف دائرة، وشكل الشعير كأنه مخروطان اتصلا بقاعدتيهما، وشكل العدس كأنه دائرة، وشكل الحمص على وجه آخر، فهذه الأشكال المختلفة، لا بد وأن تكون لأسرار وحكم علم الخالق أن تركيبها لا يكمل إلا على ذلك الشكل، وأيضا فقد أودع الخالق تعالى في كل نوع من أنواع الحبوب خاصية أخرى ومنفعة أخرى وأيضا فقد تكون الثمرة الواحدة غذاء لحيوان وسما لحيوان آخر، فاختلاف هذه الصفات والأشكال والأحوال مع اتحاد الطبائع وتأثيرات الكواكب يدل على أن كلها إنما حصلت بتخليق الفاعل المختار الحكيم. وسادسها: أنك إذا أخذت ورقة واحدة من أوراق الشجرة وجدت خطا واحدا مستقيما في وسطها، كأنه بالنسبة إلى تلك الورقة كالنخاع بالنسبة إلى بدن الإنسان، وكما أنه ينفصل من النخاع أعصاب كثيرة يمنة ويسرة في بدن الإنسان. ثم لا يزال ينفصل عن كل شعبة شعب أخر، ولا تزال تستدق حتى تخرج عن الحس والأبصار بسبب الصغر، فكذلك في تلك الورقة قد ينفصل عن ذلك الخط الكبير الوسطاني خطوط منفصلة، وعن كل واحد منها خطوط مختلفة أخرى أدق من الأولى، ولا يزال يبقى على هذا المنهج حتى تخرج تلك الخطوط عن الحس والبصر والخالق تعالى إنما فعل ذلك حتى أن القوى الجاذبة المركوزة في جرم تلك الورقة تقوى على جذب الأجزاء اللطيفة الأرضية في تلك المجاري الضيقة، فلما وقفت على عناية الخالق في إيجاد تلك
(٩١)