والسلام: " ليس في المال حق سوى الزكاة " فوجب أن يكون المراد بهذا الحق حق الزكاة.
البحث الثالث: قوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * بعد ذكر الأنواع الخمسة، وهو العنب والنخل، والزيتون، والرمان؛ يدل على وجوب الزكاة في الكل، وهذا يقتضي وجوب الزكاة في الثمار، كما كان يقوله أبو حنيفة رحمه الله.
فإن قالوا: لفظ الحصاد مخصوص بالزرع. فنقول: لفظ الحصد في أصل اللغة غير مخصوص بالزرع، والدليل عليه، أن الحصد في اللغة عبارة عن القطع، وذلك يتناول الكل وأيضا الضمير في قوله حصاده يجب عوده إلى أقرب المذكورات وذلك هو الزيتون والرمان، فوجب أن يكون الضمير عائدا إليه.
البحث الرابع: قال أبو حنيفة رحمه الله: العشر واجب في القليل والكثير. وقال الأكثرون إنه لا يجب إلا إذا بلغ خمسة أوسق. واحتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية، فقال: قوله: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * يقتضي ثبوت حق في القليل والكثير، فإذا كان ذلك الحق هو الزكاة وجب القول بوجوب الزكاة في القليل والكثير.
أما قوله تعالى: * (ولا تسرفوا) * فاعلم أن لأهل اللغة في تفسير الإسراف قولين: الأول: قال ابن الأعرابي: السرف تجاوز ما حد لك. الثاني: قال شمر: سرف المال، ما ذهب منه من غير منفعة.
إذا عرفت هذا فنقول: للمفسرين فيه أقوال: الأول: أن الإنسان إذا أعطى كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف، لأنه جاء في الخبر، " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ". وروي أن ثابت بن قيس بن شماس عمد إلى خمسمائة نخلة فجذها، ثم قسمها في يوم واحد ولم يدخل منها إلى منزله شيئا فأنزل الله تعالى قوله: * (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا) * أي ولا تعطوا كله. والثاني: قال سعيد بن المسيب: * (لا تسرفوا) * أي لا تمنعوا الصدقة، وهذان القولان يشتركان في أن المراد من الإسراف مجاوزة الحد، إلا أن الأول مجاوزة في الإعطاء، والثاني: مجاوزة في المنع. الثالث: قال مقاتل: معناه: لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام، وهذا أيضا من باب المجاوزة، لأن من أشرك الأصنام في الحرث والأنعام، فقد جاوز ما حد له. الرابع: قال الزهري معناه: لا تنفقوا في معصية الله تعالى. قال مجاهد: لو كان أبو قبيس ذهبا، فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفا. ولو أنفق درهما في معصية الله كان مسرفا. وهذا المعنى أراده حاتم الطائي حين قيل له: لا خير في السرف. فقال لا سرف في الخير، وهذا على القول الثاني في معنى السرف، فإن من أنفق