فأجاب تعالى عنه: بأن العجز والضعف إنما يلزم إذا لم أكن قادرا على حملهم على الإيمان والطاعة على سبيل القهر والإلجاء، وأنا قادر على ذلك وهو المراد من قوله: * (ولو شاء لهداكم أجمعين) * إلا أني لا أحملكم على الإيمان والطاعة على سبيل القهر والإلجاء، لأن ذلك يبطل الحكمة المطلوبة من التكليف، فثبت بهذا البيان أن الذي يقولونه من أنا لو أتينا بعمل على خلاف مشيئة الله، فإنه يلزم منه كونه تعالى عاجزا ضعيفا، كلام باطل. فهذا أقصى ما يمكن أن يذكر في تمسك المعتزلة بهذه الآية.
والجواب المعتمد في هذا الباب أن نقول: إنا بينا أن هذه السورة من أولها إلى آخرها تدل على صحة قولنا ومذهبنا، ونقلنا في كل آية ما يذكرونه من التأويلات. وأجبنا عنها بأجوبة واضحة قوية مؤكدة بالدلائل العقلية القاطعة.
وإذا ثبت هذا، فلو كان المراد من هذه الآية ما ذكرتم، لوقع التناقض الصريح في كتاب الله تعالى فإنه يوجب أعظم أنواع الطعن فيه.
إذا ثبت هذا فنقول: إنه تعالى حكى عن القوم أنهم قالوا * (لو شاء الله ما أشركنا) * ثم ذكر عقيبه * (كذلك كذب الذين من قبلهم) * فهذا يدل على أن القوم قالوا لما كان الكل بمشيئة الله تعالى وتقديره، كان التكليف عبثا، فكانت دعوى الأنبياء باطلة، ونبوتهم ورسالتهم باطلة، ثم إنه تعالى بين أن التمسك بهذا الطريق في إبطال النبوة باطل، وذلك لأنه إله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا اعتراض عليه لأحد في فعله، فهو تعالى يشاء الكفر من الكافر، ومع هذا فيبعث إليه الأنبياء ويأمره بالإيمان، وورود الأمر على خلاف الإرادة غير ممتنع.
فالحاصل: أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم يتمسكون بمشيئة الله تعالى في إبطال نبوة الأنبياء، ثم إنه تعالى بين أن هذا الاستدلال فاسد باطل، فإنه لا يلزم من ثبوت المشيئة لله في كل الأمور دفع دعوة الأنبياء، وعلى هذا الطريق فقط سقط هذا الاستدلال بالكلية، وجميع الوجوه التي ذكرتموها في التقبيح والتهجين عائد إلى تمسككم بثبوت المشيئة لله على دفع دعوة الأنبياء، فيكون الحاصل: أن هذا الاستدلال باطل، وليس فيه البتة ما يدل على أن القول بالمشية باطل.
فإن قالوا: هذا العذر إنما يستقيم إذ قرأنا قوله تعالى: * (كذلك كذب) * بالتسديد. وأما إذا قرأناه بالتخفيف، فإنه يسقط هذا العذر بالكلية فنقول فيه وجهان. الأول: أنا نمنع صحة هذه القراءة، والدليل عليه أنا بينا أن هذه السورة من أولها إلى آخرها تدل على قولنا: فلو كانت هذه الآية دالة على قولهم، لوقع التناقض، ولخرج القرآن عن كونه كلاما لله تعالى، ويندفع هذا التناقض