* (حرم) * والاستفهام يعمل فيه ما بعده ولا يعمل فيه ما قبله. قال المفسرون: إن المشركين من أهل الجاهلية كانوا يحرمون بعض الأنعام، فاحتج الله تعالى على إبطال قولهم بأن ذكر الضأن والمعز والإبل والبقر وذكر من كل واحد من هذه الأربعة زوجين، ذكرا وأنثى.
ثم قال إن كان حرم منها الذكر وجب أن يكون كل ذكورها حراما وإن كان حرم الأنثى، وجب أن يكون كل إناثها حراما، وقوله: * (أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) * تقديره: إن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين وجب تحريم الأولاد كلها لأن الأرحام تشتمل على الذكور والإناث، هذا ما أطبق عليه المفسرون في تفسير هذه الآية، وهو عندي بعيد جدا، لأن لقائل أن يقول: هب أن هذه الأنواع الأربعة، أعني: الضأن، والمعز، والإبل، والبقر، محصورة في الذكور والإناث، إلا أنه لا يجب أن تكون علة تحريم ما حكموا بتحريمه محصورة في الذكورة والأنوثة، بل علة تحريمها كونها بحيرة أو سائبة أو وصيلة أو حاما أو سائر الاعتبارات، كما أنا إذا قلنا: أنه تعالى حرم ذبح بعض الحيوانات لأجل الأكل. فإذا قيل: إن ذلك الحيوان إن كان قد حرم لكونه ذكرا وجب أن يحرم كل حيوان ذكر، وإن كان قد حرم لكونه أنثى وجب أن يحرم كل حيوان أنثى، ولما لم يكن هذا الكلام لازما علينا، فكذا هذا الوجه الذي ذكره المفسرون في تفسير هذه الآية، ويجب على العاقل أن يذكر في تفسير كلام الله تعالى وجها صحيحا فأما تفسيره بالوجوه الفاسدة فلا يجوز والأقرب عندي فيه وجهان: أحدهما: أن يقال: إن هذا الكلام ما ورد على سبيل الاستدلال على بطلان قولهم، بل هو استفهام على سبيل الإنكار يعني أنكم لا تقرون بنبوة نبي، ولا تعرفون شريعة شارع، فكيف تحكمون بأن هذا يحل وأن ذلك يحرم؟ وثانيهما: أن حكمهم بالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام مخصوص بالإبل، فالله تعالى بين أن النعم عبارة عن هذه الأنواع الأربعة، فلما لم تحكموا بهذه الأحكام في الأقسام الثلاثة، وهي: الضأن والمعز والبقر، فكيف خصصتم الإبل بهذا الحكم على التعيين؟ فهذا ما عندي في هذه الآية والله أعلم بمراده. ثم قال تعالى: * (أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا) * والمراد هل شاهدتم الله حرم هذا إن كنتم لا تؤمنون برسول؟ وحاصل الكلام من هذه الآية: أنكم لا تعترفون بنبوة أحد من الأنبياء، فكيف تثبتون هذه الأحكام المختلفة؟ ولما بين ذلك قال: * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم) * قال ابن عباس: يريد عمرو بن لحي، لأنه هو الذي غير شريعة إسماعيل، والأقرب أن يكون هذا محمولا على كل من فعل ذلك، لأن اللفظ عام والعلة الموجبة لهذا الحكم عامة،