والعمرانات مما يغرسه الناس واهتموا به فعرشوه * (وغير معروشات) * مما أنبته الله تعالى وحشيا في البراري والجبال فهو غير معروش وقوله: * (والنخل والزرع) * فسر ابن عباس * (الزرع) * ههنا بجميع الحبوب التي يقتات بها * (مختلفا أكله) * أي لكل شيء منها طعم غير طعم الآخر * (والأكل) * كل ما أكل، وههنا المراد ثمر النخل والزرع، ومضى القول في * (الأكل) * عند قوله: * (فآتت أكلها ضعفين) * (البقرة: 265) وقوله: * (مختلفا) * نصب على الحال. أي أنشأه في حال اختلاف أكله، وهو قد أنشأه من قبل ظهور أكله وأكل ثمره.
الجواب: أنه تعالى أنشأها حال اختلاف ثمرها وصدق هذا لا ينافي صدق أنه تعالى أنشأها قبل ذلك أيضا. وأيضا نصب على الحال مع أنه يؤكل بعد ذلك بزمان، لأن اختلاف أكله مقدر كما تقول: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا، أي مقدرا للصيد به غدا. وقرأ ابن كثير ونافع * (أكله) * بتخفيف الكاف والباقون * (أكله) * في كل القرآن. وأما توحيد الضمير في قوله: * (مختلفا أكله) * فالسبب فيه: أنه اكتفى بإعادة الذكر على أحدهما من إعادته عليهما جميعا كقوله تعالى: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) * (الجمعة: 11) والمعنى: إليهما وقوله: * (والله ورسوله أحق أن يرضوه) * (التوبة: 62).
وأما قوله: * (متشابها وغير متشابه) * فقد سبق تفسيره في الآية المتقدمة.
ثم قال تعالى: * (كلوا من ثمره إذا أثمر) * وفيه مباحث.
البحث الأول: أنه تعالى لما ذكر كيفية خلقه لهذه الأشياء ذكر ما هو المقصود الأصلي من خلقها، وهو انتفاع المكلفين بها، فقال: * (كلوا من ثمره) * واختلفوا ما الفائدة منه؟ فقال بعضهم: الإباحة. وقال آخرون: بل المقصود منه إباحة الأكل قبل إخراج الحق، لأنه تعالى لما أوجب الحق فيه، كان يجوز أن يحرم على المالك تناوله لمكان شركة المساكين فيه، بل هذا هو الظاهر فأباح تعالى هذا الأكل، وأخرج وجوب الحق فيه من أن يكون مانعا من هذا التصرف. وقال بعضهم: بل أباح تعالى ذلك ليبين أن المقصد بخلق هذه النعم. إما الأكل وإما التصدق، وإنما قدم ذكر الأكل على التصدق، لأن رعاية النفس مقدمة على رعاية الغير. قال تعالى: * (ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) * (القصص: 77).
البحث الثاني: تمسك بعضهم بقوله: * (كلوا من ثمره إذا أثمر) * بأن الأصل في المنافع الإباحة والإطلاق، لأن قوله: * (كلوا) * خطاب عام يتناول الكل، فصار هذا جاريا مجرى قوله تعالى: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * وأيضا يمكن التمسك به على أن الأصل عدم وجوب الصدقة، وأن من ادعى إيجابه كان هو المحتاج إلى الدليل، فيتمسك به في أن المجنون إذا أفاق في أثناء الشهر، لا يلزمه قضاء ما مضى، وفي أن الشارع في صوم النفل لا يجب عليه الإتمام.