كان المراد منه حصول الغم والحزن في قلب الكافر، لوجب أن يكون ما يحصل في قلب الكافر من الغموم والهموم والأحزان أزيد مما يحصل في قلب المؤمن زيادة يعرفها كل أحد، ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك، بل الأمر في حزن الكافر والمؤمن على السوية، بل الحزم والبلاء في حق المؤمن أكثر. قال تعالى: * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة) * وقال عليه السلام: " خص البلاء بالأنبياء ثم بالأولياء ثم الأمثل فالأمثل ".
وأما الوجه الثاني: من التأويلات الثلاثة فهو أيضا مدفوع، لأنه يرجع حاصله إلى إيضاح الواضحات لأن كل أحد يعلم بالضرورة أن كل من هداه الله تعالى إلى الجنة بسبب الإيمان فإنه يفرح بسبب تلك الهداية وينشرح صدره للإيمان مزيد انشراح في ذلك الوقت. وكذلك القول في قوله: * (ومن يرد أن يضله) * (الزخرف: 33) المراد من يضله عن طريق الجنة فإنه يضيق قلبه في ذلك الوقت فإن حصول هذا المعنى معلوم بالضرورة، فحمل الآية عليه إخراج لهذه الآية من الفائدة.
وأما الوجه الثالث: من الوجوه الثلاثة، فهو يقتضي تفكيك نظم الآية، وذلك لأن الآية تقتضي أن يحصل انشراح الصدر من قبل الله أولا، ثم يترتب عليه حصول الهداية والإيمان، وأنتم عكستم القضية فقلتم العبد يجعل نفسه أولا منشرح الصدر، ثم إن الله تعالى بعد ذلك يهديه بمعنى أنه يخصه بمزيد الألطاف الداعية له إلى الثبات على الإيمان، والدلائل اللفظية إنما يمكن التمسك بها إذا أبقينا ما فيها من التركيبات والترتيبات فأما إذا أبطلناها وأزلناها لم يمكن التمسك بشيء منها أصلا، وفتح هذا الباب يوجب أن لا يمكن التمسك بشيء من الآيات، وإنه طعن في القرآن وإخراج له عن كونه حجة، فهذا هو الكلام الفصل في هذه السؤالات، ثم إنا نختم الكلام في هذه المسألة بهذه الخاتمة القاهرة، وهي أنا بينا أن فعل الإيمان يتوقف على أن يحصل في القلب داعية جازمة إلى فعل الإيمان وفاعل تلك الداعية هو الله تعالى، وكذلك القول في جانب الكفر ولفظ الآية منطبق على هذا المعنى، لأن تقدير الآية فمن يرد الله أن يهديه قوى في قلبه ما يدعوه إلى الإيمان ومن يرد أن يضله ألقى في قلبه ما يصرفه عن الإيمان ويدعوه إلى الكفر، وقد ثبت بالبرهان العقلي أن الأمر يجب أن يكون كذلك، وعلى هذا التقدير: فجميع ما ذكرتموه من السؤالات ساقط، والله تعالى أعلم بالصواب.
المسألة الثالثة: في تفسير ألفاظ الآية، أما شرح الصدر ففي تفسير وجهان:
الوجه الأول: قال الليث: يقال شرح الله صدره فانشرح أي وسع صدره لقبول ذلك الأمر فتوسع. وأقول: إن الليث فسر شرح الصدر بتوسيع الصدر، ولا شك أنه ليس المراد منه أن