فقد أراد الله أن يضله عن طريق الجنة، أو يضله بمعنى أنه يحرمه عن الألطاف الداعية إلى الثبات على الإيمان، فهذا هو مجموع كلامهم في هذا الباب.
والجواب عما قالوه أولا: من أن الله تعالى لم يقل في هذه الآية أنه يضله، بل المذكور فيه أنه لو أراد أن يضله لفعل كذا وكذا.
فنقول: قوله تعالى في آخر الآية: * (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) * تصريح بأنه يفعل بهم ذلك الإضلال لأن حرف " الكاف " في قوله: * (كذلك) * يفيد التشبيه، والتقدير: وكما جعلنا ذلك الضيق والحرج في صدره، فكذلك نجعل الرجس على قلوب الذين لا يؤمنون.
والجواب عما قالوه ثانيا وهو قوله: ومن يرد الله أن يضله عن الدين.
فنقول: إن قوله في آخر الآية: * (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) * تصريح بأن المراد من قوله: * (ومن يرد أن يضله) * هو أنه يضله عن الدين.
والجواب عما قالوه ثالثا: من أن قوله: * (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) * يدل على أنه تعالى إنما يلقي ذلك الضيق والحرج في صدورهم جزاء على كفرهم.
فنقول: لا نسلم أن المراد ذلك، بل المراد كذلك يجعل الله الرجس على قلوب الذين قضي عليهم بأنهم لا يؤمنون، وإذا حملنا هذه الآية على هذا الوجه، سقط ما ذكروه.
والجواب عما قالوه رابعا: من أن ظاهر الآية يقتضي أن يكون ضيق الصدر وحرجه شيئا متقدما على الضلال وموجبا له.
فنقول: الأمر كذلك، لأنه تعالى إذا خلق في قلبه اعتقادا بأن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يوجب الذم في الدنيا والعقوبة في الآخرة، فهذا الاعتقاد يوجب إعراض النفس ونفور القلب عن قبول ذلك الإيمان ويحصل في ذلك القلب نفرة ونبوة عن قبول ذلك الإيمان وهذه الحالة شبيهة بالضيق الشديد، لأن الطريق إذا كان ضيقا لم يقدر الداخل على أن يدخل فيه، فكذلك القلب إذا حصل فيه هذا الاعتقاد امتنع دخول الإيمان فيه، فلأجل حصول هذه المشابهة من هذا الوجه، أطلق لفظ الضيق والحرج عليه، فقد سقط هذا الكلام.
وأما الوجه الأول: من التأويلات الثلاثة التي ذكروها.
فالجواب عنه: أن حاصل ذلك الكلام يرجع إلى تفصيل الضيق والحرج باستيلاء الغم والحزن على قلب الكافر، وهذا بعيد، لأنه تعالى ميز الكافر عن المؤمن بهذا الضيق والحرج، فلو