تأكلون ما تقتلونه ولا تأكلون ما يقتله الله، فهذه المناظرة مخصوصة بأكل الميتة، وثالثها: قوله تعالى: * (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) * وهذا مخصوص بما ذبح على اسم النصب، يعني لو رضيتم بهذه الذبيحة التي ذبحت على اسم إلهية الأوثان، فقد رضيتم بإلهيتها وذلك يوجب الشرك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فأول الآية وإن كان عاما بحسب الصيغة، إلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة علمنا أن المراد من ذلك العموم هو هذا الخصوص، ومما يؤكد هذا المعنى هو أنه تعالى قال: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) * فقد صار هذا النهي مخصوصا بما إذا كان هذا الأمر فسقا، ثم طلبنا في كتاب الله تعالى أنه متى يصير فسقا؟ فرأينا هذا الفسق مفسرا في آية أخرى، وهو قوله: * (قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) * (الأنعام: 145) فصار الفسق في هذه الآية مفسرا بما أهل به لغير الله، وإذا كان كذلك كان قوله: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) * مخصوصا بما أهل به لغير الله.
والمقام الثاني: أن نترك التمسك بهذه المخصصات، لكن نقول لم قلتم إنه لم يوجد ذكر الله ههنا؟ والدليل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ذكر الله مع المسلم سواء قال أو لم يقل "، ويحمل هذا الذكر على ذكر القلب.
والمقام الثالث: وهو أن نقول: هب أن هذا الدليل يوجب الحرمة إلا أن سائر الدلائل المذكورة في هذه المسألة توجب الحل، ومتى تعارضت وجب أن يكون الراجح هو الحل، لأن الأصل في المأكولات الحل، وأيضا يدل عليه جميع العمومات المقتضية لحل الأكل والانتفاع كقوله تعالى: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * (البقرة: 29) وقوله: * (كلوا واشربوا) * (البقرة: 60) لأنه مستطاب بحسب الحس فوجب أن يحل لقوله تعالى: * (أحل لكم الطيبات) * (المائدة: 4) ولأنه مال لأن الطبع يميل إليه، فوجب أن لا يحرم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، فهذا تقرير الكلام في هذه المسألة ومع ذلك فنقول: الأولى بالمسلم أن يحترز عنه لأن ظاهر هذا النص قوي.
المسألة الثانية: الضمير في قوله: * (وإنه لفسق) * إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: أن قوله * (لا تأكلوا) * يدل على الأكل، لأن الفعل يدل على المصدر، فهذا الضمير عائد إلى هذا المصدر. والثاني: كأنه جعل ما لم يذكر اسم الله عليه في نفسه فسقا، على سبيل المبالغة.
وأما قوله: * (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) * ففيه قولان: الأول: أن المراد من الشياطين ههنا إبليس وجنوده، وسوسوا إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوا محمدا صلى الله