تعرف المجهولات الكسبية، إلا أن تلك المعارف ربما لا تكون حاضرة بالفعل، ولكنها تكون بحيث متى شاء صاحبها استرجاعها واستحضارها، يقدر عليه.
والمرتبة الرابعة: أن تكون تلك المعارف القدسية والجلايا الروحانية حاضرة بالفعل، ويكون جوهر ذلك الروح مشرقا بتلك المعارف مستضيئا بها مستكملا بظهورها فيه.
إذا عرفت هذا فنقول:
المرتبة الأولى: وهي حصول الاستعداد فقط، هي المسماة بالموت.
والمرتبة الثانية: وهي أن تحصل العلوم البديهية الكلية فيه فهي المشار إليها بقوله: * (فأحييناه) *.
والمرتبة الثالثة: وهي تركيب البديهيات حتى يتوصل بتركيباتها إلى تعرف المجهولات النظرية، فهي المراد من قوله تعالى: * (وجعلنا له نورا) *.
والمرتبة الرابعة: وهي قوله: * (يمشي به في الناس) * إشارة إلى كونه مستحضرا لتلك الجلايا القدسية ناظرا إليها، وعند هذا تتم درجات سعادات النفس الإنسانية، ويمكن أن يقال أيضا الحياة عبارة عن الاستعداد القائم بجوهر الروح، والنور عبارة عن إيصال نور الوحي والتنزيل به. فإنه لا بد في الإبصار من أمرين: من سلامة الحاسة، ومن طلوع الشمس، فكذلك البصيرة لا بد فيها من أمرين: من سلامة حاسة العقل، ومن طلوع نور الوحي والتنزيل، فلهذا السبب قال المفسرون: المراد بهذا النور، القرآن. ومنهم من قال: هو نور الدين، ومنهم من قال: هو نور الحكمة، والأقوال بأسرها متقاربة، والتحقيق ما ذكرناه. وأما مثل الكافر * (فهو كمن في الظلمات ليس بخارج منها) * وفي قوله: * (ليس بخارج منها) * دقيقة عقلية، وهي أن الشيء إذا دام حصوله مع الشيء صار كالأمر الذاتي والصفة اللازمة له. فإذا دام كون الكافر في ظلمات الجهل والأخلاق الذميمة صارت تلك الظلمات كالصفة الذاتية اللازمة له يعسر إزالتها عنه، نعوذ بالله من هذه الحالة. وأيضا الواقف في الظلمات يبقى متحيرا لا يهتدي إلى وجه صلاحه فيستولي عليه الخوف والفزع، والعجز والوقوف.
المسألة الرابعة: اختلفوا في أن هذين المثلين المذكورين هل هما مخصوصان بإنسانين معينين أو عامان في كل مؤمن وكافر. فيه قولان: الأول: أنه خاص بإنسانين على التعيين، ثم فيه وجوه: الأول: قال ابن عباس: إن أبا جهل رمى النبي صلى الله عليه وسلم بفرث وحمزة يومئذ لم يؤمن، فأخبر حمزة بذلك عند قدومه من صيد له والقوس بيده، فعمد إلى أبي جهل وتوخاه بالقوس، وجعل يضرب رأسه، فقال له أبو جهل: أما ترى ما جاء به؟ سفه عقولنا، وسب آلهتنا، فقال