* (فصل) * بالفتح * (وحرم) * بالضم، فمن قرأ بالفتح في الحرفين فقد احتج بوجهين: الأول: أنه تمسك في فتح قوله: * (فصل) * بقوله: * (قد فصلنا الآيات) * وفي فتح قوله: * (حرم) * بقوله: * (أتل ما حرم ربكم) *.
والوجه الثاني: التمسك بقوله: * (مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم) * فيجب أن يكون الفعل مسندا إلى الفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى، وأما الذين قرؤا بالضم في الحرفين فحجتهم قوله: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * وقوله: * (حرمت) * تفصيل لما أجمل في هذه الآية، فلما وجب في التفصيل أن يقال: * (حرمت عليكم الميتة) * بفعل ما لم يسم فاعله وجب في الإجمال كذلك وهو قوله: * (ما حرم عليكم) * ولما ثبت وجوب * (حرم) * بضم الحاء فكذلك يجب * (فصل) * بضم الفاء لأن هذا المفصل هو ذلك المحرم المجمل بعينه. وأيضا فإنه تعالى قال: * (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا) * وقوله: * (مفصلا) * يدل على فصل. وأما من قرأ * (فصل) * بالفتح وحرم بالضم فحجته في قوله: * (فصل) * قوله: * (قد فصلنا الآيات) * وفي قوله: * (حرم) * قوله: * (حرمت عليكم الميتة) *. المسألة الثانية: قوله: * (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) * أكثر المفسرين قالوا: المراد منه قوله تعالى في أول سورة المائدة: * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) * وفيه إشكال: وهو أن سورة الأنعام مكية وسورة المائدة مدنية، وهي آخر ما أنزل الله بالمدينة. وقوله: * (وقد فصل) * يقتضي أن يكون ذلك المفصل مقدما على هذا المجمل، والمدني متأخر عن المكي، والمتأخر يمتنع كونه متقدما. بل الأولى أن يقال المراد قوله بعد هذه الآية: * (قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما على طاعم) * يطعمه. وهذه الآية وإن كانت مذكورة بعد هذه الآية بقليل إلا أن هذا القدر من التأخير لا يمنع أن يكون هو المراد والله أعلم. وقوله: * (إلا ما اضطررتم إليه) * أي دعتكم الضرورة إلى أكله بسبب شدة المجاعة.
ثم قال: * (وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير وأبو عمرو * (ليضلون) * بفتح الياء وكذلك في يونس * (ربنا ليضلوا) * وفي إبراهيم * (ليضلوا) * وفي الحج * (ثاني عطفه ليضل) * وفي لقمان * (لهو الحديث ليضل) * وفي الزمر * (أندادا ليضل) * وقرأ عاصم وحمزة والكسائي جميع ذلك بضم الياء. وقرأ نافع وابن عامر ههنا وفي يونس بفتح الياء، وفي سائر المواضع بالضم، فمن قرأ بالفتح أشار إلى كونه ضالا، ومن قرأ بالضم أشار إلى كونه مضلا. قال: وهذا أقوى في الذم لأن كل مضل فإنه يجب كونه ضالا، وقد يكون ضالا ولا يكون مضلا، فالمضل أكثر استحقاقا للذم من الضال.
المسألة الثانية: المراد من قوله: * (ليضلون) * قيل إنه عمرو بن لحي، فمن دونه من المشركين. لأنه أول من غير دين إسماعيل واتخذ البحائر والسوائب وأكل الميتة. وقوله: * (بغير علم) * يريد أن