جزء ويحتبس ذلك الجزء في باطن تلك الصاحبة، وهذه الأحوال إنما تثبت في حق الجسم الذي يصح عليه الاجتماع والافتراق والحركة والسكون والحد والنهاية والشهوة واللذة، وكل ذلك على خالق العالم محال. وهذا هو المراد من قوله أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة.
والوجه الثاني: أن تحصيل الولد بهذا الطريق إنما يصح في حق من لا يكون قادرا على الخلق والإيجاد والتكوين دفعة واحدة فلما أراد الولد وعجز عن تكوينه دفعة واحدة عدل إلى تحصيله بالطريق المعتاد. أما من كان خالقا لكل الممكنات قادرا على كل المحدثات، فإذا أراد إحداث شيء قال له كن فيكون، ومن كان هذا الذي ذكرنا صفته ونعته، امتنع منه إحداث شخص بطريق الولادة وهذا هو المراد من قوله: * (وخلق كل شيء) *.
والوجه الثالث: وهو أن هذا الولد إما أن يكون قديما أو محدثا، لا جائز أن يكون قديما لأن القديم يجب كونه واجب الوجود لذاته. وما كان واجب الوجود لذاته كان غنيا عن غيره فامتنع كونه ولدا لغيره. فبقي أنه لو كان ولدا لوجب كونه حادثا، فنقول إنه تعالى عالم بجميع المعلومات فإما أن يعلم أن له في تحصيل الولد كمالا ونفعا أو يعلم أنه ليس الأمر كذلك، فإن كان الأول فلا وقت يفرض أن الله تعالى خلق هذا الولد فيه إلا والداعي إلى إيجاد هذا الولد كان حاصلا قبل ذلك، ومتى كان الداعي إلى إيجاده حاصلا قبله وجب حصول الولد قبل ذلك، وهذا يوجب كون ذلك الولد أزليا وهو محال، وإن كان الثاني فقد ثبت أنه تعالى عالم بأنه ليس له في تحصيل الولد كمال حال ولا ازدياد مرتبة في الإلهية، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن لا يحدثه البتة في وقت من الأوقات، وهذا هو المراد من قوله: * (وهو بكل شيء عليم) * وفيه وجه آخر وهو أن يقال الولد المعتاد إنما يحدث بقضاء الشهوة، وقضاء الشهوة يوجب اللذة، واللذة مطلوبة لذاتها، فلو صحت اللذة على الله تعالى مع أنها مطلوبة لذاتها، وجب أن يقال إنه لا وقت إلا وعلم الله بتحصيل تلك اللذة يدعوه إلى تحصيلها قبل ذلك الوقت لأنه تعالى لما كان عالما بكل المعلومات وجب أن يكون هذا المعنى معلوما، وإذا كان الأمر كذلك، وجب أن يحصل تلك اللذة في الأزل، فلزم كون الولد أزليا، وقد بينا أنه محال فثبت أن كونه تعالى عالما بكل المعلومات مع كونه تعالى أزليا يمنع من صحة الولد عليه، وهذا هو المراد من قوله: * (وهو بكل شيء عليم) * فثبت بما ذكرنا أنه لا يمكن إثبات الولد لله تعالى بناء على هذين الاحتمالين المعلومين، فأما إثبات الولد لله تعالى بناء على احتمال ثالث فذلك باطل. لأنه غير متصور ولا مفهوم عند العقل، فكان القول بإثبات الولادة بناء على ذلك الاحتمال الذي هو غير متصور خوضا في محض الجهالة وأنه باطل، فهذا هو المقصود من هذه الآية