في عيون أهل النار فلو رجعت في إبطال هذا الكلام إلى أن تجويزه يفضي إلى تجويز أن يكون بحضرتنا بوقات وطبلات ولا نراها ولا نسمعها، كان هذا رجوعا إلى الطريقة الأولى، وقد سبق جوابها.
وأما الوجه الرابع: فيقال لم لا يجوز أن يقال: إن المؤمنين يرون الله تعالى في حال دون حال. أما قوله فهذا يقتضي أن يقال: إنه تعالى مرة يقرب ومرة يبعد، فيقال هذا عود إلى أن الإبصار لا يحصل إلا عند الشرائط المذكورة، وهو عود إلى الطريق الأول، وقد سبق جوابه، وقوله ثانيا: الرؤية أعظم اللذات، فيقال له إنها وإن كانت كذلك إلا أنه لا يبعد أن يقال إنهم يشتهونها في حال دون حال، بدليل أن سائر لذات الجنة ومنافعها طيبة ولذيذة ثم إنها تحصل في حال دون حال فكذا ههنا. فهذا تمام الكلام في الجواب عن الوجوه التي ذكرها في هذا الباب.
المسألة الرابعة: في تقرير الوجوه الدالة على أن المؤمنين يرون الله تعالى ونحن بعدها هنا عدا، ونحيل تقريرها إلى المواضع اللائقة بها. فالأول: أن موسى عليه السلام طلب الرؤية من الله تعالى، وذلك يدل على جواز رؤية الله تعالى. والثاني: أنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل حيث قال: * (فإن استقر مكانه فسوف تراني) * (الأعراف: 143) واستقرار الجبل جائز والمعلق على الجائز جائز، وهذان الدليلان سيأتي تقريرهما إن شاء الله تعالى في سورة الأعراف.
الحجة الثالثة: التمسك بقوله: * (لا تدركه الأبصار) * من الوجوه المذكورة.
الحجة الرابعة: التمسك بقوله تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى) * (يونس: 26) وزيادة وتقريره قد ذكرناه في سورة يونس.
الحجة الخامسة: التمسك بقوله تعالى: * (فمن كان يرجو لقاء ربه) * (الكهف: 110) وكذا القول في جميع الآيات المشتملة على اللقاء وتقريره قد مر في هذا التفسير مرارا وأطوارا.
الحجة السادسة: التمسك بقوله تعالى: * (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) * (الإنسان: 20) فإن إحدى القراءات في هذه الآية: * (ملكا) * بفتح الميم وكسر اللام، وأجمع المسلمون على أن ذلك الملك ليس إلا الله تعالى. وعندي التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها.
الحجة السابعة: التمسك بقوله تعالى: * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) * (المطففين: 15) وتخصيص الكفار بالحجب يدل على أن المؤمنين لا يكونون محجوبين عن رؤية الله عز وجل.
الحجة الثامنة: التمسك بقوله تعالى: * (ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى) * (النجم: 13، 14) وتقرير هذه الحجة سيأتي في تفسير سورة النجم.
الحجة التاسعة: أن القلوب الصافية مجبولة على حب معرفة الله تعالى على أكمل الوجوه، وأكمل