وهو بكل شىء عليم) *.
اعلم أنه تعالى لما بين فساد قول طوائف أهل الدنيا من المشركين. شرع في إقامة الدلائل على فساد قول من يثبت له الولد فقال: * (بديع السماوات والأرض) *.
واعلم أن تفسير قوله: * (بديع السماوات والأرض) * قد تقدم في سورة البقرة إلا أنا نشير ههنا إلى ما هو المقصود الأصلي من هذه الآية. فنقول: الإبداع عبارة عن تكوين الشيء من غير سبق مثال، ولذلك فإن من أتى في فن من الفنون بطريقة لم يسبقه غيره فيها، يقال: إنه أبدع فيه.
إذا عرفت هذا فنقول: إن الله تعالى سلم للنصارى أن عيسى حدث من غير أب ولا نطفة بل أنه إنما حدث ودخل في الوجود. لأن الله تعالى أخرجه إلى الوجود من غير سبق الأب.
إذا عرفت هذا فنقول: المقصود من الآية أن يقال إنكم إما أن تريدوا بكونه والدا لله تعالى أنه أحدثه على سبيل الإبداع من غير تقدم نطفة ووالد. وإما أن تريدوا بكونه ولد الله تعالى كما هو المألوف المعهود من كون الإنسان ولدا لأبيه، وإما أن تريدوا بكونه ولدا لله مفهوما ثالثا مغايرا لهذين المفهومين.
أما الاحتمال الأول: فباطل، وذلك لأنه تعالى وإن كان يحدث الحوادث في مثل هذا العالم الأسفل بناء على أسباب معلومة ووسايط مخصوصة إلا أن النصارى يسلمون أن العالم الأسفل محدث، وإذا كان الأمر كذلك. لزمهم الاعتراف بأنه تعالى خلق السماوات والأرض من غير سابقة مادة ولا مدة، وإذا كان الأمر كذلك. وجب أن يكون إحداثه للسموات والأرض إبداعا فلو لزم من مجرد كونه مبدعا لإحداث عيسى عليه السلام كونه والدا له لزم من كونه مبدعا للسموات والأرض كونه والدا لهما. ومعلوم أن ذلك باطل بالاتفاق، فثبت أن مجرد كونه مبدعا لعيسى عليه السلام لا يقتضي كونه والدا له، فهذا هو المراد من قوله: * (بديع السماوات والأرض) * وإنما ذكر السماوات والأرض فقط ولم يذكر ما فيهما لأن حدوث ما في السماوات والأرض ليس على سبيل الإبداع، أما حدوث ذات السماوات والأرض فقد كان على سبيل الإبداع، فكان المقصود من الإلزام حاصلا بذكر السماوات والأرض. لا بذكر ما في السماوات والأرض، فهذا إبطال الوجه الأول.
وأما الاحتمال الثاني: وهو أن يكون مراد القوم من الولادة هو الأمر المعتاد المعروف من الولادة في الحيوانات، فهذا أيضا باطل ويدل عليه وجوه:
الوجه الأول: أن تلك الولادة لا تصح إلا ممن كانت له صاحبة وشهوة، وينفصل عنه