عيسى بن مريم، قال فإني أترك ملكي وأتبعك فتبعه ذلك الملك مع أقاربه، فأولئك هم الحواريون قال القفال: ويجوز أن يكون بعض هؤلاء الحواريين الاثني عشر من الملوك، وبعضهم من صيادي السمك، وبعضهم من القصارين، والكل سموا بالحواريين لأنهم كانوا أنصار عيسى عليه السلام، وأعوانه، والمخلصين في محبته، وطاعته، وخدمته.
المسألة الثالثة: المراد من قوله * (نحن أنصار الله) * أي نحن أنصار دين الله وأنصار أنبيائه، لأن نصرة الله تعالى في الحقيقة محال، فالمراد منه ما ذكرناه.
أما قوله * (آمنا بالله) * فهذا يجري مجرى ذكر العلة، والمعنى يجب علينا أن نكون من أنصار الله، لأجل أنا آمنا بالله، فإن الإيمان بالله يوجب نصرة دين الله، والذب عن أوليائه، والمحاربة مع أعدائه.
ثم قالوا: * (واشهد بأنا مسلمون) * وذلك لأن إشهادهم عيسى عليه السلام على أنفسهم، إشهاد لله تعالى أيضا، ثم فيه قولان الأول: المراد واشهد أنا منقادون لما تريده منا في نصرتك، والذب عنك، مستسلمون لأمر الله تعالى فيه الثاني: أن ذلك إقرار منهم بأن دينهم الإسلام، وأنه دين كل الأنبياء صلوات الله عليهم.
واعلم أنهم لما أشهدوا عيسى عليه السلام على إيمانهم، وعلى إسلامهم تضرعوا إلى الله تعالى، وقالوا: * (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) * وذلك لأن القوم آمنوا بالله حين قالوا: في الآية المتقدمة * (آمنا بالله) * ثم آمنوا بكتب الله تعالى حيث قالوا * (آمنا بما أنزلت) * وآمنوا برسول الله حيث، قالوا * (واتبعنا الرسول) * فعند ذلك طلبوا الزلفة والثواب، فقالوا * (فاكتبنا مع الشاهدين) * وهذا يقتضي أن يكون للشاهدين فضل يزيد على فضل الحواريين، ويفضل على درجته، لأنهم هم المخصوصون بأداء الشهادة قال الله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) * (البقرة: 143) الثاني: وهو منقول أيضا عن ابن عباس * (اكتبنا مع الشاهدين) * أي اكتبنا في زمرة الأنبياء لأن كل نبي شاهد لقومه قال الله تعالى: * (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) * (الأعراف: 6).
وقد أجاب الله تعالى دعاءهم وجعلهم أنبياء ورسلا، فأحيوا الموتى، وصنعوا كل ما صنع عيسى عليه السلام.
والقول الثالث: * (اكتبنا مع الشاهدين) * أي اكتبنا في جملة من شهد لك بالتوحيد ولأنبيائك بالتصديق، والمقصود من هذا أنهم لما أشهدوا عيسى عليه السلام على إسلام أنفسهم، حيث قالوا