أحييته تركتك على ما تفعل، فدعا الله عيسى، فعاش الغلام، فلما رآه أهل مملكته قد عاش تبادروا بالسلاح واقتتلوا، وصار أمر عيسى عليه السلام مشهورا في الخلق، وقصد اليهود قتله، وأظهروا الطعن فيه والكفر به.
والقول الثاني: إن اليهود كانوا عارفين بأنه هو المسيح المبشر به في التوراة، وأنه ينسخ دينهم، فكانوا من أول الأمر طاعنين فيه، طالبين قتله، فلما أظهر الدعوة اشتد غضبهم، وأخذوا في إيذائه وإيحاشه وطلبوا قتله.
والقول الثالث: إن عيسى عليه السلام ظن من قومه الذين دعاهم إلى الإيمان أنهم لا يؤمنون به وأن دعوته لا تنجع فيهم فأحب أن يمتحنهم ليتحقق ما ظنه بهم فقال لهم * (من أنصاري إلى الله) * فما أجابه إلا الحواريون، فعند ذلك أحس بأن من سوى الحواريين كافرون مصرون على إنكار دينه وطلب قتله.
أما قوله تعالى: * (قال من أنصاري إلى الله) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: في الآية أقوال الأول: أن عيسى عليه السلام لما دعا بني إسرائيل إلى الدين، وتمردوا عليه فر منهم وأخذ يسيح في الأرض فمر بجماعة من صيادي السمك، وكان فيهم شمعون ويعقوب ويوحنا ابنا زيدي وهم من جملة الحواريين الاثني عشر فقال عيسى عليه السلام: الآن تصيد السمك، فإن تبعتني صرت بحيث تصيد الناس لحياة الأبد، فطلبوا منه المعجزة، وكان شمعون قد رمى شبكته تلك الليلة في الماء فما اصطاد شيئا فأمره عيسى بإلقاء شبكته في الماء مرة أخرى، فاجتمع في تلك الشبكة من السمك ما كادت تتمزق منه، واستعانوا بأهل سفينة أخرى، وملؤا السفينتين، فعند ذلك آمنوا بعيسى عليه السلام.
والقول الثاني: أن قوله * (من أنصاري إلى الله) * إنما كان في آخر أمره حين اجتمع اليهود عليه طلبا لقتله، ثم ههنا احتمالات الأول: أن اليهود لما طلبوه للقتل وكان هو في الهرب عنهم قال لأولئك الاثني عشر من الحواريين: أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة على أن يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني؟.
فأجابه إلى ذلك بعضهم وفيما تذكره النصارى في إنجيلهم: أن اليهود لما أخذوا عيسى سل شمعون سيفه فضرب به عبدا كان فيهم لرجل من الأحبار عظيم فرمى باذنه، فقال له عيسى: حسبك ثم أخذ اذن العبد فردها إلى موضعها، فصارت كما كانت، والحاصل أن الغرض من طلب النصرة إقدامهم على دفع الشر عنه.