فالآية تدل على أنه تعالى يفعل به هذه الأفعال، فأما كيف يفعل، ومتى يفعل، فالأمر فيه موقوف على الدليل، وقد ثبت الدليل أنه حي وورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه سينزل ويقتل الدجال " ثم إنه تعالى يتوفاه بعد ذلك. الوجه الخامس: في التأويل ما قاله أبو بكر الواسطي، وهو أن المراد * (إني متوفيك) * عن شهواتك وحظوظ نفسك، ثم قال: * (ورافعك إلي) * وذلك لأن من لم يصر فانيا عما سوى الله لا يكون له وصول إلى مقام معرفة الله، وأيضا فعيسى لما رفع إلى السماء صار حاله كحال الملائكة في زوال الشهوة، والغضب والأخلاق الذميمة.
والوجه السادس: إن التوفي أخذ الشيء وافيا، ولما علم الله إن من الناس من يخطر بباله أن الذي رفعه الله هو روحه لا جسده ذكر هذا الكلام ليدل على أنه عليه الصلاة والسلام رفع بتمامه إلى السماء بروحه وبجسده ويدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى: * (وما يضرونك من شيء) * (النساء: 113).
والوجه السابع: * (إني متوفيك) * أي أجعلك كالمتوفى لأنه إذا رفع إلى السماء وانقطع خبره وأثره عن الأرض كان كالمتوفى، وإطلاق اسم الشيء على ما يشابهه في أكثر خواصه وصفاته جائز حسن.
الوجه الثامن: إن التوفي هو القبض يقال: وفاني فلان دراهمي وأوفاني وتوفيتها منه، كما يقال: سلم فلان دراهمي إلي وتسلمتها منه، وقد يكون أيضا توفي بمعنى استوفى وعلى كلا الاحتمالين كان إخراجه من الأرض وإصعاده إلى السماء توفيا له.
فإن قيل: فعلى هذا الوجه كان التوفي عين الرفع إليه فيصير قوله * (ورافعك إلي) * تكرارا.
قلنا: قوله * (إني متوفيك) * يدل على حصول التوفي وهو جنس تحته أنواع بعضها بالموت وبعضها بالإصعاد إلى السماء، فلما قال بعده * (ورافعك إلي) * كان هذا تعيينا للنوع ولم يكن تكرارا.
الوجه التاسع: أن يقدر فيه حذف المضاف والتقدير: متوفي عملك بمعنى مستوفي عملك * (ورافعك إلي) * أي ورافع عملك إلي، وهو كقوله * (إليه يصعد الكلم الطيب) * (فاطر: 10) والمراد من هذه الآية أنه تعالى بشره بقبول طاعته وأعماله، وعرفه أن ما يصل إليه من المتاعب والمشاق في تمشية دينه وإظهار شريعته من الأعداء فهو لا يضيع أجره ولا يهدم ثوابه، فهذه جملة الوجوه المذكورة على قول من يجري الآية على ظاهرها.
الطريق الثاني: وهو قول من قال: لا بد في الآية من تقديم وتأخير من غير أن يحتاج فيها إلى تقديم أو تأخير، قالوا إن قوله * (ورافعك إلي) * يقتضي أنه رفعه حيا، والواو لا تقتضي