والاحتمال الثاني: أنه دعاهم إلى القتال مع القوم لقوله تعالى في سورة أخرى * (فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) * (الصف: 14).
المسألة الثانية: قوله * (إلى الله) * فيه وجوه الأول: التقدير: من أنصاري حال ذهابي إلى الله أو حال التجائي إلى الله والثاني: التقدير: من أنصاري إلى أن أبين أمر الله تعالى، وإلى أن أظهر دينه ويكون إلى ههنا غاية كأنه أراد من يثبت على نصرتي إلى أن تتم دعوتي، ويظهر أمر الله تعالى الثالث: قال الأكثرون من أهل اللغة إلى ههنا بمعنى مع قال تعالى: * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * (النساء: 2) أي معها، وقال صلى الله عليه وسلم: " الذود إلى الذود إبل " أي مع الذود.
قال الزجاج: كلمة * (إلى) * ليست بمعنى مع فإنك لو قلت ذهب زيد إلى عمرو لم يجز أن تقول: ذهب زيد مع عمرو لأن * (إلى) * تفيد الغاية و * (مع) * تفيد ضم الشيء إلى الشيء، بل المراد من قولنا أن * (إلى) * ههنا بمعنى * (مع) * هو أنه يفيد فائدتها من حيث أن المراد من يضيف نصرته إلى نصرة الله إياي وكذلك المراد من قوله * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * (النساء: 2) أي لا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم، وكذلك قوله عليه السلام: " الذود إلى الذود إبل " معناه: الذود مضموما إلى الذود إبل والرابع: أن يكون المعنى من أنصاري فيما يكون قربة إلى الله ووسيلة إليه، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا ضحى " اللهم منك وإليك " أي تقربا إليك، ويقول الرجل لغيره عند دعائه إياه * (إلى) * أي انضم إلى، فكذا ههنا المعنى من أنصاري فيما يكون قربة إلى الله تعالى الخامس: أن يكون * (إلى) * بمعنى اللام كأنه قال: من أنصاري لله نظيره قوله تعالى: * (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق) * (يونس: 35) والسادس: تقدير الآية: من أنصاري في سبيل الله. و (إلى) بمعنى (في) جائز، وهذا قول الحسن.
أما قوله تعالى: * (قال الحواريون نحن أنصار الله) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في لفظ * (الحواري) * وجوها الأول: أن الحواري اسم موضوع لخاصة الرجل، وخالصته، ومنه يقال للدقيق حواري، لأنه هو الخالص منه، وقال صلى الله عليه وسلم للزبير: " إنه ابن عمتي، وحواري من أمتي " والحواريات من النساء النقيات الألوان والجلود، فعلى هذا الحواريون هم صفوة الأنبياء الذي خلصوا وأخلصوا في التصديق بهم وفي نصرتهم.
القول الثاني: الحواري أصله من الحور، وهو شدة البياض، ومنه قيل للدقيق حواري، ومنه الأحور، والحور نقاء بياض العين، وحورت الثياب: بيضتها، وعلى هذا القول اختلفوا في أن أولئك لم سموا بهذا الاسم؟ فقال سعيد بن جبير: لبياض ثيابهم، وقيل كانوا قصارين، يبيضون