من ذلك وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
الوجه الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر للمسلمين الذين انهزموا وخالفوا أمره ويدعو عليهم فنزلت الآية، فهذه الاحتمالات والوجوه كلها مفرعة على قولنا إن هذه الآية نزلت في قصة أحد.
القول الثاني: أنها نزلت في واقعة أخرى وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جمعا من خيار أصحابه إلى أهل بئر معونة ليعلموهن القرآن فذهب إليهم عامر بن الطفيل مع عسكره وأخذهم وقتلهم فجزع من ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم جزعا شديدا ودعا على الكفار أربعين يوما، فنزلت هذه الآية، هذا قول مقاتل وهو بعيد لأن أكثر العلماء اتفقوا على أن هذه الآية في قصة أحد، وسياق الكلام يدل عليه وإلقاء قصة أجنبية عن أول الكلام وآخره غير لائق.
المسألة الثانية: ظاهر هذه الآية يدل على أنها وردت في أمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيه فعلا، وكانت هذه الآية كالمنع منه، وعند هذا يتوجه الإشكال، وهو أن ذلك الفعل إن كان بأمر الله تعالى، فكيف منعه الله منه؟ وإن قلنا إنه ما كان بأمر الله تعالى وبإذنه، فكيف يصح هذا مع قوله * (وما ينطق عن الهوى) * (النجم: 3) وأيضا دلت الآية على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالأمر الممنوع عنه في هذه الآية إن كان حسنا فلم منعه الله؟ وإن كان قبيحا، فكيف يكون فاعله معصوما؟.
والجواب من وجوه الأول: أن المنع من الفعل لا يدل على أن الممنوع منه كان مشتغلا به فإنه تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 65) وأنه عليه الصلاة والسلام ما أشرك قط وقال: * (يا أيها النبي اتق الله) * (الأحزاب: 1) فهذا لا يدل على أنه ما كان يتقي الله، ثم قال: * (ولا تطع الكافرين) * وهذا لا يدل على أنه أطاعهم، والفائدة في هذا المنع أنه لما حصل ما يوجب الغم الشديد، والغضب العظيم، وهو مثلة عمه حمزة، وقتل المسلمين، والظاهر أن الغضب يحمل الإنسان على ما لا ينبغي من القول والفعل، فلأجل أن لا تؤدي مشاهدة تلك المكاره إلى ما لا يليق من القول والفعل نص الله تعالى على المنع تقوية لعصمته وتأكيدا لطهارته والثاني: لعله عليه الصلاة والسلام إن فعل لكنه كان ذلك من باب ترك الأفضل والأولى، فلا جرم أرشده الله إلى اختيار الأفضل والأولى، ونظيره قوله تعالى: * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله) * (النحل: 126، 127) كأنه تعالى قال: إن كنت تعاقب ذلك الظالم فاكتف بالمثل، ثم قال ثانيا: وإن تركته كان ذلك أولى، ثم أمره أمرا جازما بتركه، فقال: * (واصبر وما صبرك إلا بالله) *.