الاختلاف في الدين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (فماذا بعد الحق إلا الضلال) * (يونس: 32) والثاني: أنه نهى عن المعاداة والمخاصمة، فإنهم كانوا في الجاهلية مواظبين على المحاربة والمنازعة فنهاهم الله عنها الثالث: أنه نهى عما يوجب الفرقة ويزيل الألفة والمحبة. واعلم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة الناجي منهم واحد والباقي في النار فقيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال الجماعة " وروي " السواد الأعظم " وروي " ما أنا عليه وأصحابي " والوجه المعقول فيه: أن النهي عن الاختلاف والأمر بالاتفاق يدل على أن الحق لا يكون إلا واحدا، وإذا كان كذلك كان الناجي واحدا.
المسألة الثانية: استدلت نفاة القياس بهذه الآية، فقالوا: الأحكام الشرعية إما أن يقال: إنه سبحانه نصب عليها دلائل يقينية أو نصب عليها دلائل ظنية، فإن كان الأول امتنع الاكتفاء فيها بالقياس الذي يفيد الظن، لأن الدليل الظني لا يكتفى به في الموضع اليقيني، وإن كان الثاني كان الأمر بالرجوع إلى تلك الدلائل الظنية يتضمن وقوع الاختلاف ووقوع النزاع، فكان ينبغي أن لا يكون التفرق والتنازع منهيا عنه، لكنه منهي عنه لقوله تعالى: * (ولا تفرقوا) * وقوله * (ولا تنازعوا) * ولقائل أن يقول: الدلائل الدالة على العمل بالقياس تكون مخصصة لعموم قوله * (ولا تفرقوا) * ولعموم قوله * (ولا تنازعوا) * والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (واذكروا نعمة الله عليكم) * واعلم أن نعم الله على الخلق إما دنيوية وإما أخروية وإنه تعالى ذكرهما في هذه الآية، أما النعمة الدنيوية فهي قوله تعالى: * (إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قيل إن ذلك اليهودي لما ألقى الفتنة بين الأوس والخزرج وهم كل واحد منهما بمحاربة صاحبه، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يزل يرفق بهم حتى سكنت الفتنة وكان الأوس والخزرج أخوين لأب وأم، فوقعت بينهما العداوة، وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأ الله ذلك بالإسلام، فالآية إشارة إليهم وإلى أحوالهم، فإنهم قبل الإسلام كان يحارب بعضهم بعضا ويبغض بعضهم بعضا، فلما أكرمهم الله تعالى بالإسلام صاروا إخوانا متراحمين متناصحين وصاروا إخوة في الله: ونظير هذه الآية قوله * (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) * (الأنفال: 63).
واعلم أن كل من كان وجهه إلى الدنيا كان معاديا لأكثر الخلق، ومن كان وجهه إلى خدمة الله تعالى لم يكن معاديا لأحد، والسبب فيه أنه ينظر من الحق إلى الخلق فيرى الكل أسيرا في قبضة القضاء