عظيم * يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين سودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون * تلك ءايات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين * ولله ما فى السماوات وما فى الارض وإلى الله ترجع الامور) *.
اعلم أنه تعالى في الآيات المتقدمة عاب أهل الكتاب على شيئين أحدهما: أنه عابهم على الكفر، فقال: * (يا أهل الكتاب لم تكفرون) * (آل عمران: 70) ثم بعد ذلك عابهم على سعيهم في إلقاء الغير في الكفر، فقال: * (يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله) * (آل عمران: 99) فلما انتقل منه إلى مخاطبة المؤمنين أمرهم أولا بالتقوى والإيمان، فقال: * (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا) * (آل عمران: 102، 103) ثم أمرهم بالسعي في إلقاء الغير في الإيمان والطاعة، فقال: * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) * وهذا هو الترتيب الحسن الموافق للعقل، وفي الآية مسألتان:
المسألة الأولى: في قوله * (منكم) * قولان أحدهما: أن * (من) * ههنا ليست للتبعيض لدليلين الأول: أن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل الأمة في قوله * (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) * (آل عمران: 110) والثاني: هو أنه لا مكلف إلا ويجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إما بيده، أو بلسانه، أو بقلبه، ويجب على كل أحد دفع الضرر عن النفس إذا ثبت هذا فنقول: معنى هذه الآية كونوا أمة دعاة إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، وأما كلمة * (من) * فهي هنا للتبيين لا للتبعيض كقوله تعالى: * (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) * (الحج: 30) ويقال أيضا: لفلان من أولاده جند وللأمير من غلمانه عسكر يريد بذلك جميع أولاده وغلمانه لا بعضهم، كذا ههنا، ثم قالوا: إن ذلك وإن كان واجبا على الكل إلا أنه متى قام به قوم سقط التكليف عن الباقين، ونظيره قوله تعالى: * (انفروا خفافا وثقالا) * (التوبة: 41) وقوله * (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) * (التوبة: 39) فالأمر عام، ثم إذا قامت به طائفة وقعت الكفاية وزال التكليف عن الباقين.