أن يحصل منه الطاعة وذلك الرجحان لا يكون إلا بخلق الله تعالى، فإذن صدور تلك الطاعة من العبد نعمة من الله في حق العبد فكيف يصير ذلك موجبا على الله شيئا، فثبت أن دخول الجنة لا يكون إلا بفضل الله وبرحمته وبكرمه لا باستحقاقنا.
السؤال الثاني: كيف موقع قوله * (هم فيها خالدون) * بعد قوله * (ففي رحمة الله) *.
الجواب: كأنه قيل: كيف يكونون فيها؟ فقيل هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون.
السؤال الثالث: الكفار مخلدون في النار كما أن المؤمنين مخلدون في الجنة، ثم إنه تعالى لم ينص على خلود أهل النار في هذه الآية مع أنه نص على خلود أهل الجنة فيها فما الفائدة؟.
والجواب: كل ذلك إشعارات بأن جانب الرحمة أغلب، وذلك لأنه ابتدأ في الذكر بأهل الرحمة وختم بأهل الرحمة، ولما ذكر العذاب ما أضافه إلى نفسه، بل قال: * (فذوقوا العذاب) * مع أنه ذكر الرحمة مضافة إلى نفسه حيث قال: * (ففي رحمة الله) * ولما ذكر العذاب ما نص على الخلود مع أنه نص على الخلود في جانب الثواب، ولما ذكر العذاب علله بفعلهم فقال: * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * ولما ذكر الثواب علله برحمته فقال: * (ففي رحمة الله) * ثم قال في آخر الآية * (وما الله يريد ظلما للعالمين) * وهذا جار مجرى الاعتذار عن الوعيد بالعقاب، وكل ذلك مما يشعر بأن جانب الرحمة مغلب، يا أرحم الراحمين لا تحرمنا من برد رحمتك ومن كرامة غفرانك وإحسانك.
ثم قال تعالى: * (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق) * فقوله * (تلك) * فيه وجهان الأول: المراد أن هذه الآيات التي ذكرناها هي دلائل الله، وإنما جاز إقامة * (تلك) * مقام * (هذه) * لأن هذه الآيات المذكورة قد انقضت بعد الذكر، فصار كأنها بعدت فقيل فيها * (تلك) * والثاني: إن الله تعالى وعده أن ينزل عليه كتابا مشتملا على كل ما لابد منه في الدين، فلما أنزل هذه الآيات قال: تلك الآيات الموعودة هي التي نتلوها عليك بالحق، وتمام الكلام في هذه المسألة قد تقدم في سورة البقرة في تفسير قوله * (ذلك الكتاب) * (البقرة: 2) وقوله * (بالحق) * فيه وجهان الأول: أي ملتبسة بالحق والعدل من إجزاء المحسن والمسئ بما يستوجبانه الثاني: بالحق، أي بالمعنى الحق، لأن معنى التلو حق.
ثم قال تعالى: * (وما الله يريد ظلما للعالمين) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إنما حسن ذكر الظلم ههنا لأنه تقدم ذكر العقوبة الشديدة وهو سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين، فكأنه تعال يعتذر عن ذلك وقال إنهم ما وقعوا فيه إلا بسبب أفعالهم المنكرة، فإن مصالح العالم لا تستقيم إلا بتهديد المذنبين، وإذا حصل هذا التهديد فلا بد من التحقيق دفعا للكذب، فصار هذا الاعتذار من أدل الدلائل، على أن جانب الرحمة غالب، ونظيره قوله