والقدر فلا يعادي أحدا، ولهذا قيل: إن العارف إذا أمر أمر برفق ويكون ناصحا لا يعنف ويعير فهو مستبصر بسر الله في القدر.
المسألة الثانية: قال الزجاج: أصل الأخ في اللغة من التوخي وهو الطلب فالأخ مقصده مقصد أخيه، والصديق مأخوذ من أن يصدق كل واحد من الصديقين صاحبه ما في قلبه، ولا يخفي عنه شيئا وقال أبو حاتم قال أهل البصرة: الاخوة في النسب والإخوان في الصداقة، قال وهذا غلط، قال الله تعالى: * (إنما المؤمنون إخوة) * (الحجرات: 10) ولم يعن النسب، وقال: * (أو بيوت إخوانكم) * (النور: 61) وهذا في النسب.
المسألة الثالثة: قوله * (فأصبحتم بنعمته إخوانا) * يدل على أن المعاملات الحسنة الجارية بينهم بعد الإسلام إنما حصلت من الله، لأنه تعالى خلق تلك الداعية في قلوبهم وكانت تلك الداعية نعمة من الله مستلزمة لحصول الفعل، وذلك يبطل قول المعتزلة في خلق الأفعال، قال الكعبي: إن ذلك بالهداية والبيان والتحذير والمعرفة والألطاف.
قلنا: كل هذا كان حاصلا في زمان حصول المحاربات والمقاتلات، فاختصاص أحد الزمانين بحصول الألفة والمحبة لا بد أن يكون لأمر زائد على ما ذكرتم.
ثم قال تعالى: * (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) *.
واعلم أنه تعالى لما شرح النعمة الدنيوية ذكر بعدها النعمة الأخروية، وهي ما ذكره في آخر هذه الآية، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: المعنى أنكم كنتم مشرفين بكفركم على جهنم، لأن جهنم مشبهة بالحفرة التي فيها النار فجعل استحقاقهم للنار بكفرهم كالإشراف منهم على النار، والمصير منهم إلى حفرتها، فبين تعالى أنه أنقذهم من هذه الحفرة، وقد قربوا من الوقوع فيها.
قالت المعتزلة: ومعنى ذلك أنه تعالى لطف بهم بالرسول عليه السلام وسائر ألطافه حتى آمنوا قال أصحابنا: جميع الألطاف مشترك فيه بين المؤمن والكافر، فلو كان فاعل الإيمان وموجده هو العبد لكان العبد هو الذي أنقذ نفسه من النار، والله تعالى حكم بأنه هو الذي أنقذهم من النار، فدل هذا على أن خالق أفعال العباد هو الله سبحانه وتعالى.
المسألة الثانية: شفا الشيء حرفه مقصور، مثل شفا البئر والجمع الإشفاء، ومنه يقال: أشفى على الشيء إذا أشرف عليه كأنه بلغ شفاه، أي حده وحرفه وقوله * (فأنقذكم منها) * قال الأزهري: يقال نقذته وأنقذته واستنقذته، أي خلصته ونجيته.
وفي قوله * (فأنقذكم منها) * سؤال وهو: أنه تعالى إنما ينقذهم من الموضع الذي كانوا فيه وهم