لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فا شهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) *.
اعلم أن المقصود من هذه الآيات تعديد تقرير الأشياء المعروفة عند أهل الكتاب مما يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم قطعا لعذرهم وإظهارا لعنادهم ومن جملتها ما ذكره الله تعالى في هذه الآية وهو أنه تعالى أخذ الميثاق من الأنبياء الذين آتاهم الكتاب والحكمة بأنهم كلما جاءهم رسول مصدق لما معهم آمنوا به ونصروه، وأخبر أنهم قبلوا ذلك وحكم تعالى بأن من رجع عن ذلك كان من الفاسقين، فهذا هو المقصود من الآية فحصل الكلام أنه تعالى أوجب على جميع الأنبياء الإيمان بكل رسول جاء مصدقا لما معهم إلا أن هذه المقدمة الواحدة لا تكفي في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ما لم يضم إليها مقدمة أخرى، وهي أن محمدا رسول الله جاء مصدقا لما معهم، وعند هذا لقائل أن يقول: هذا إثبات للشيء بنفسه، لأنه إثبات لكونه رسولا بكونه رسولا.
والجواب: أن المراد من كونه رسولا ظهور المعجز عليه، وحينئذ يسقط هذا السؤال والله أعلم، ولنرجع إلى تفسير الألفاظ:
أما قوله * (وإذ أخذ الله) * فقال ابن جرير الطبري: معناه واذكروا يا أهل الكتاب إذ أخذ الله ميثاق النبيين، وقال الزجاج: واذكر يا محمد في القرآن إذ أخذ الله ميثاق النبيين.
أما قوله * (ميثاق النبيين) * فاعلم أن المصدر يجوز إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول، فيحتمل أن يكون الميثاق مأخوذا منهم، ويحتمل أن يكون مأخوذا لهم من غيرهم، فلهذا السبب اختلفوا في تفسير هذه الآية على هذين الوجهين.
أما الاحتمال الأول: وهو أنه تعالى أخذ الميثاق منهم في أن يصدق بعضهم بعضا، وهذا قول سعيد بن جبير والحسن وطاوس رحمهم الله، وقيل: إن الميثاق هذا مختص بمحمد صلى الله