التي لم يشتمل الكتاب عليها.
المسألة السادسة: كلمة * (من) * في قوله * (من كتاب) * دخلت تبيينا لما كقولك: ما عندي من الورق دانقان.
أما قوله تعالى: * (ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم) * ففيه سؤالات:
السؤال الأول: ما وجه قوله * (ثم جاءكم) * والرسول لا يجيء إلى النبيين وإنما يجيء إلى الأمم؟.
والجواب: إن حملنا قوله * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) * على أخذ ميثاق أممهم فقد زال السؤال وإن حملناه على أخذ ميثاق النبيين أنفسهم كان قوله * (ثم جاءكم) * أي جاء في زمانكم.
السؤال الثاني: كيف يكون محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا لما معهم مع مخالفة شرعه لشرعهم، قلنا: المراد به حصول الموافقة في التوحيد، والنبوات، وأصول الشرائع، فأما تفاصيلها وإن وقع الخلاف فيها؛ فذلك في الحقيقة ليس بخلاف، لأن جميع الأنبياء عليهم السلام متفقون على أن الحق في زمان موسى عليه السلام ليس إلا شرعه وأن الحق في زمان محمد صلى الله عليه وسلم ليس إلا شرعه، فهذا وإن كان يوهم الخلاف، إلا أنه في الحقيقة وفاق، وأيضا فالمراد من قوله * (ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم) * هو محمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بكونه مصدقا لما معهم هو أن وصفه وكيفية أحواله مذكورة في التوراة والإنجيل، فلما ظهر على أحوال مطابقة لما كان مذكورا في تلك الكتب، كان نفس مجيئه تصديقا لما كان معهم، فهذا هو المراد بكونه مصدقا لما معهم.
السؤال الثالث: حاصل الكلام أن الله تعالى أخذ الميثاق على جميع الأنبياء بأن يؤمنوا بكل رسول يجيء مصدقا لما معهم فما معنى ذلك الميثاق.
والجواب: يحتمل أن يكون هذا الميثاق ما قرر في عقولهم من الدلائل الدالة على أن الانقياد لأمر الله واجب، فإذا جاء الرسول فهو إنما يكون رسولا عند ظهور المعجزات الدالة على صدقه فإذا أخبرهم بعد ذلك أن الله أمر الخلق بالإيمان به عرفوا عند ذلك وجوبه، فتقدير هذا الدليل في عقولهم هو المراد من أخذ الميثاق، ويحتمل أن يكون المراد من أخذ الميثاق أنه تعالى شرح صفاته في كتب الأنبياء المتقدمين، فإذا صارت أحواله مطابقة لما جاء في الكتب الإلهية المتقدمة وجب الانقياد له، فقوله تعالى: * (ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم) * يدل على هذين الوجهين، أما على الوجه الأول، فقوله * (رسول) * وأما على الوجه الثاني، فقوله * (مصدق لما معكم) *.
أما قوله * (لتؤمنن به ولتنصرنه) * فالمعنى ظاهر، وذلك لأنه تعالى أوجب الإيمان به أولا، ثم الاشتغال بنصرته ثانيا، واللام في * (لتؤمنن به) * لام القسم، كأنه قيل: والله لتؤمنن به.