الإيمان به ونصرته والثاني: أن أصل * (لما) * لمن ما فاستثقلوا اجتماع ثلاث ميمات، وهي الميمان والنون المنقلبة ميما بإدغامها في الميم فحذفوا إحداها فصارت * (لما) * ومعناه: لمن أجل ما آتيتكم لتؤمنن به، وهذا قريب من قراءة حمزة في المعنى.
المسألة الثانية: قرأ نافع * (آتيناكم) * بالنون على التفخيم، والباقون بالتاء على التوحيد، حجة نافع قوله * (وآتينا داود زبورا) * (النساء: 163) * (وآتيناه الحكم صبيا) * (مريم: 12) * (وآتيناهما الكتاب المستبين) * (الصافات: 117) ولأن هذا أدل على العظمة فكان أكثر هيبة في قلب السامع، وهذا الموضع يليق به هذا المعنى، وحجة الجمهور قوله * (هو الذي ينزل على عبده آيات بينات) * (الحديد: 9) و * (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) * (الكهف: 1) وأيضا هذه القراءة أشبه بما قبل هذه الآية وبما بعدها لأنه تعالى قال قبل هذه الآية * (وإذ أخذ الله) * وقال بعدها * (إصري) * وأجاب نافع عنه بأن أحد أبواب الفصاحة تغيير العبارة من الواحد إلى الجمع ومن الجمع إلى الواحد قال تعالى: * (وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني) * (الإسراء: 2) ولم يقل من دوننا كما قال: * (وجعلناه) * والله أعلم.
المسألة الثالثة: أنه تعالى ذكر النبيين على سبيل المغايبة ثم قال: * (آتيتكم) * وهو مخاطبة إضمار والتقدير: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين فقال مخاطبا لهم لما آتيتكم من كتاب وحكمة، والإضمار باب واسع في القرآن، ومن العلماء من التزم في هذه الآية إضمارا آخر وأراح نفسه عن تلك التكلفات التي حكيناها عن النحويين فقال تقدير الآية: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتبلغن الناس ما آتيتكم من كتاب وحكمة، قال إلا أنه حذف لتبلغن لدلالة الكلام عليه لأن لام القسم إنما يقع على الفعل فلما دلت هذه اللام على هذا الفعل لا جرم حذفه اختصارا ثم قال تعالى بعده * (ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم) * وهو محمد صلى الله عليه وسلم * (لتؤمنن به ولتنصرنه) * وعلى هذا التقدير يستقيم النظم ولا يحتاج إلى تكليف تلك التعسفات، وإذا كان لا بد من التزام الإضمار فهذا الإضمار الذي به ينتظم الكلام نظما بينا جليا أولى من تلك التكلفات.
المسألة الرابعة: في قوله * (لما آتيتكم من كتاب) * إشكال، وهو أن هذا الخطاب إما أن يكون مع الأنبياء أو مع الأمم، فإن كان مع الأنبياء فجميع الأنبياء ما أوتوا الكتاب، وإنما أوتي بعضهم وإن كان مع الأمم، فالإشكال أظهر، والجواب عنه من وجهين الأول: أن جميع الأنبياء عليهم السلام أوتوا الكتاب، بمعنى كونه مهتديا به داعيا إلى العمل به، وإن لم ينزل عليه والثاني: أن أشرف الأنبياء عليهم السلام هم الذين أوتوا الكتاب، فوصف الكل بوصف أشرف الأنواع.
المسألة الخامسة: الكتاب هو المنزل المقروء والحكمة هي الوحي الوارد بالتكاليف المفصلة